جريدة المقال

افلام الرعب المصرية.. حل مختلف لأزمة السينما المصرية.

قراءة سهلة

على الرغم من كونه عيداً غربياً باقتدار، الا ان الأهتمام بعيد (الهالوين) الذى يأتي فى الحادي والثلاثين من اكتوبر من كل عام يكتسب يوماً بعد يوم ارضاً جديدة فى المنطقة العربية بشكل عام، وفى مصر بشكل خاص، وخاصة بين الطبقات الأكثر ثراء وانفتاحا على المجتمع الغربي، واكثر رغبة فى تقليد انماط الحياة فى هذه المجتمعات حتي الأحتفالات الغريبة والتى تشمل طقوسها تزيين ثمار القرع العسلي وطرق الأطفال للأبواب مرددين : “حلوي ام خدعة” ؟! او حتي دور العرض التى تستقبل فى هذا الوقت من السنة كمية متزايدة من افلام الرعب.

ومع حلول الأحتفال السنوي للهالوين، نتذكر سوياً افلام الرعب المصرية والعربية التى تم تقديمها على مر الزمن، وهو بحث ادركنا خلاله ان لدي السينما المصرية باعاً طويلاً مع افلام الرعب، الا ان الحظ لم يحالف الأفلام الأقدم من هذه النوعية، وان ابتسم مؤخراً بشكل ملحوظ لبعض الأفلام ذات الطابع المرعب.

عندما جسد يوسف وهبي دور ابليس!

ففى عام 1945 وبينما كان انور وجدي يقدم اولى تجاربه الاخراجية والانتاجية من خلال فيلم (ليلي بنت الفقراء)، كان العظيم (يوسف وهبي) يدفع للسينمات المصرية بما يمكن اعتباره اول فيلم رعب حقيقي… انه فيلم (سفير جهنم) والذى قامت ببطولته ليلي فوزي و فؤاد شفيق وفردوس محمد مع الأحتفاظ بدور (ابليس) لـ(يوسف بك وهبي) بالطبع.

ولأن الرعب لا يمكن فصله عن المعتقدات الدينية، فكانت قصة الفيلم تحكي عن محاولة (ابليس) اغواء عائلة بسيطة فقيرة، بأوهام الثراء والخلود والسلطة، وظهر الهدف الأخلاقى جلياً وراء الفيلم من خلال بيان ان الثروة والخلود قد تأتي بالعار والبؤس على أصحابها ان جائت من خلال الاستعانة بالشيطان.

تميز الفيلم بديكورات وخدع فنية وسينمائية كانت حديثة العهد انذاك، وان كانت العظة المباشرة من خلال احداث الفيلم –وهي تيمة ثابتة فى كل افلام يوسف وهبي- اضعفت من القيمة الاجمالية للفيلم، وان كانت التجربة باجمالها ونظراً لكونها فى نهاية الاربعينات تعتبر نجاحاً منقطع النظير لكل من شارك فيه.

الأوفر حظاً : التعويذة والأنس والجن.

من 1945 الى 1985 حيث يقدم عادل امام مع المخرج محمد راضى واحداً من اشهر افلام الرعب فى تاريخ السينما المصرية، وهو فيلم (الانس والجن)، والذى شارك فيه (راضى) فى دور دجال يحاول اقناع الطبيبة الشابة (فاطمة) بأن احد اهل الجن قد وقع فى عشقها، وهو الجن المتنكر فى صورة العالم (جلال) والذى قام بدوره الفنان عادل امام فى واحد من اكثر ادواره اختلافاً وتميزاً، وقدرة على استخدام انفعالات مختلفة ساعدته على ابرازها اساليب الخدع السينمائية و الأضاءة التى كانت تميل فى غالب الوقت للأحمر القاني.

تميز الفيلم فى الضرب على الأوتار الحساسة فى المفاهيم الدينية المرتبطة بالرموز المرعبة لدي المواطن المصري، منها على سبيل المثال استعمال تيمة (الجن العاشق) وهى واحدة من اقدم واكثر الافكار شيوعا عن الجن، بالأضافة لأختيار أماكن مختلفة ومرعبة ولها دلالات مخيفة لدي المشاهدين المصريين مثل الحمام وارتباطه بالجن، وغيرها من المشاهد والالاعيب النفسية.

مع نجاح (الأنس والجن) واستمراره فى العرض لفترة طويلة عبر شرائط الـ(فيديو فيلم) التى كانت تباع وتؤجر فى ذلك الوقت كسوق وسيطه بين السينما والتليفزيون… نجاح (الأنس والجن) دفع مخرجاً ومؤلفاً شاباً –انذاك- هو (محمد شبل) لتقديم فيلم لا يقل أهمية عن (الأنس والجن)، وهو (التعويذة) والذى تم تقديمه فى 1987 من بطولة فنان يمكن اعتباره معامل مشترك اكبر فى معظم افلام الرعب العربية الهامة والمؤثرة، وهو الفنان عزت العلايلي وهو بطل و (الانس والجن) و (عاد لينتقم) .. حتي ان مخرج فيلم التعويذة (محمد شبل) سبق له ان اخرج فيلما ذو طابع مرعب اخر هو (انياب)، وهو فيلم نادر من بطولة الفنان احمد عدوية، جسد فيه دور (دراكيولا) مصاص الدماء الشهير، الذى يحاول الفتك بشاب وفتاة تتعطل سيارتهما فى ليلة رأس السنة عام 1981.

بالعودة الى (التعويذة) يحكي الفيلم عن محاولة مالك احد المنازل اجبار سكانه على مغادرة العقار من خلال الاستعانة بالأعمال السفلية وتسليط الجن على السكان، وخاصة الشابة (راوية) والتى قامت بدورها الفنانة (يسرا) فى ثاني ظهور لها فى فيلم مرعب بعد (الأنس والجن).

يلعب (التعويذة) على تيمات مشابهة للتيمات التى لعب عليها (الانس والجن)، مع محاولات اقوي للعب بسلاح المؤثرات الخاصة، وبالذات المشاهد النهائية التى يتحول فيها الساحر لشكله الحقيقي الشيطاني، بالاضافة لمشاهد تحول ارجل المقاعد لأرجل حيوانية ترتبط بالماعز وهى تيمة جديدة لعب عليها الفيلم خلافاً لـ(الأنس والجن) واستغلت الارتباط الشرطي لدي الكثيرين ببعض الحيوانات كالماعز وبين الجن.

عاد الرعب.. عاد لينتقم.

مع حلول عام 1988 قرر ابن الفنان الكوميدي (اسماعيل يس) المخرج (يس اسماعيل يس) ان يخالف الفكرة المأخوذة عن العائلة انها تشتهر بخفة  الدم والكوميديا، وقرر تقديم فيلم رعب وتشويق من العيار الثقيل.. نتحدث هنا عن فيلم (عاد لينتقم) الذى قام ببطولته الفنان عزت العلايلي، لكن الفيلم بالكامل يمكن اعتباره الحلقة الاضعف فى تاريخ افلام الرعب المصرية.

الفيلم يحكي عن عزت العلايلي الذى يتعرض لصدمة فقد ابنته فى سن صغيرة نتيجة حادث سيارة، فيقرر ترك منزله والانتقال لقصر كبير، فقط ليكتشف انه مسكون بشبح طفل صغير يحاول الانتقام من قاتله.

يتميز الفيلم بعدم الاعتماد على اي تيمات دينية، بل ينتصر الفيلم بالكامل لعنصر التشويق والاثارة طوال الوقت، بينما انخفض الاداء التمثيلي لعزت العلايلي الذى اقتصر اداؤه على انفعال الدهشة والذهول طوال احداث الفيلم، بالاضافة للسيناريو الذى اظهره بصورة الرجل الذى لا يهاب شيئاً طوال احداث الفيلم.

يمكن اعتبار المرحلة التى تلت 1988 مرحلة من الصمت المهيب فى دنيا افلام الرعب، حيث انشغلت السينما انذاك بموجة افلام المقاولات، والانصراف عن الرعب والحركة والرومانسية الى الكوميديا الخفيفية ومحاولة تقديم افلام  لا طائل من ورائها سوي الاضحاك وتحقيق الارباح السريعة.. تغاضينا هنا عن ذكر بعض الافلام التى يعتبرها البعض افلام رعب بينما نعتبرها افلام اثارة وتشويق كفيلم (احلام حقيقية) او (كامب)، فالفارق بين تيمة التشويق والاثارة وتيمة الرعب يكاد يكون غير مرئيا، الا ان تركيزنا الأساسي هنا يعتمد على التعرض لأفلام الرعب فحسب.

رعب بحجم الفيل…الازرق

وكأنما تمخضت فترة الصمت الطويلة نسبياً عن فيلم عظيم.. ففى 2014 تم تحويل رواية الكاتب الشاب (أحمد مراد) الى فيلم يحمل الأسم نفسه… الفيل الازرق..

يلعب (الفيل الأزرق) على تيمات رعب لم يتطرق لها اي فيلم عربي من قبل، وان كان يشترك مع باقى الافلام فى الاعتماد الرئيسي على الجن والمخلوقات الماورائية فى تقديم جرعة من  الرعب النفسى من خلال قصة الطبيب النفسي (يحيي) او (كريم عبد العزيز)، والذى يكتشف اصابة صديق عمره (خالد الصاوي) بالمس من الجن، والذى يدفعه لقتل زوجته بعد اغتصابها.

وكأنما تستقبل السينمات فيلما مرعباً للمرة الأولى.. اصطف المشاهدين امام دور العرض فى طوابير طويلة، وتحولت فرصة شراء تذكرة للفيلم لفرصة للمحظوظين فحسب.. وانقسم المشاهدين مابين معجبين للفيلم يرفعونه لمصاف افضل الافلام فى تاريخ السينما المصرية، ومشاهدين معترضين على الانتصار للخرافة والجهل وترويج لقصص الجن والعفاريت، الا ان الفيلم حقق نجاحاً لا يمكن انكاره، على الرغم من تغيير نهاية الفيلم عن نهاية الرواية كنوع من تخفيف الصدمة على المشاهد.

على صعيد التقنية يمكن القول ان الفيلم استعمل اساليباً جديدة لمشاهد الرعب، وتم الاستعانة بفريق اجنبى لتنفيذ بعض المشاهد والخدع الخاصة، لكن رأينا ان المشاهد النهائية على الشاشة لم تكن بنفس قوة الدعاية المكثفة التى سبقت الفيلم.

اقتباس الرعب الهوليودي.

بعد النجاح الساحق للفيل الأزرق اتجهت الأنظار لأفلام الرعب من جديد، واستقبلت السينمات فيلماً تم الترويج عنه كأول فيلم رعب مصري! ومع عبارة “مستوحي من احداث حقيقية” و “للكبار فقط”، بدأ فيلم (وردة) فى عرض اعلانات تشويقية وبداية حملة دعاية مكثفة ضمنت للفيلم ايرادات قوية فى بداية عرضه، ثم سرعان ما خفت نجاح الفيلم بسرعة مع اكتشاف المشاهدين ان (وردة) ليس سوي اعادة تقديم للفيلم الأجنبى Paranormal Activity، وهو فيلم منخفض الميزانية حقق نجاحاً غير مسبوق فى الولايات المتحدة، لكن شتان بين القدرة على تحقيق النجاح فى هوليود بفكرة جديدة واسلوب تصوير مبتكر، وبين اقتباس الفكرة برمتها وتقديمها باخراج ركيك من هادي الباجوري وبطولة سميرة المقرون.

تغاضينا ايضا عن ذكر تجربة تقديم فيلم رعب كوميدي هو (العساس) والذى لا يمكن اعتباره فيلم رعب بقدر اعتباره فيلم خفيف يخلط بعضاً من الكوميديا ببعض المشاهد الشبه مخيفة.. ولم يحقق الفيلم نجاحا يذكر.ايضا فيلم (عزازيل) الذى استغل التشابه بين اسمه وبين رواية شهيرة للكاتب يوسف زيدان لتقديم فيلم ركيك لم يستمر سوي بضعة ايام فى دور العرض قبل ان يتم سحبه لعدم تحقيق ايرادات.

اليوم ومع موسم (الهالوين) الذى يدق الأبواب، تقدم هوليود المزيد والمزيد من افلام الرعب القادرة على تحقيق الأرباح المتزايدة، بداية من سلاسل الافلام كـسلسلة paranormal activity او حتي الأفلام المنفردة مثل Crimson Peak أو The Visit وغيرها من الافلام التى تعرضها السينمات المصرية مؤخراً فهل يدرك صناع السينما فى مصر خصوصية الرعب لدينا، وقدرتنا على اللعب على اوتار مختلفة ومرعبة للمشاهد المصري والعربي، ولعل بعض المحاولات العربية فى مجال سينما الرعب كفيلم (قنديشة) المغربى، تذكرنا بهذه الخصوصية وبقدرتنا على انتاج اعمال مرعبة تحقق النجاح الجماهيري والنقدي كالفيل الأزرق فقط اذا استطعنا المغامرة بميزانية كبيرة وبروح المغامرة والقدرة على تطويع المؤثرات الخاصة والخدع السينمائية لصالح هذه الأعمال.

الرعب لايزال حقلاً خصباً، وتجارب السينما المصرية السابقة تعطينا الأمل لتجربة جديدة وغنية.. فهل نشهد قريباً فيلم رعب مصري عالى التكلفة محكم السياق قوي البنيان… نحن معكم من المنتظرين.

ليلي فوزي : (1918-2005) فنانة مصرية من اصول تركية قدمت العديد من الأفلام والمسلسلات، ولها دور لا يُنسى فى فيلم التشويق (ضربة شمس) بطولة نور الشريف.

يسرا : مواليد 1955 من اشهر الفنانات المصريات، وسفيرة للنوايا الحسنة للأمم المتحدة اشتهرت بالعديد من الأفلام وكونت ثنائى سينمائى ناجح مع الفنان عادل امام

أحمد مراد: مؤلف وسيناريست مصري من مواليد 1978 خريج المعهد العالى للسينما، وقدم العديد من الروايات التى تحولت احداها (فرتيجو) لمسلسل رمضاني، تبعها تحويل روايته (الفيل الازرق) لفيلم بنفس الأسم.

زر الذهاب إلى الأعلى