العمليات الارهابية بين السينما والواقع.
يمكن القول أن هذا الجيل شهد العديد من الأحداث التى يمكن القول عنها، أن الحاجز بين الواقع والخيال قد تهاوي عندها، وأن ما نراه فى الأفلام ولا نصدقه قد يصبح أحياناً مجرد مشهد عبثي مقارنة بما يضعه الواقع أمامنا من أحداث أغرب من الخيال.. وأعجب من السينما!
هذا الجيل الذى استيقظ فى أحد الأيام على مشهد طائرات الركاب المدنية وهى تدك أبراج التجارة العالمية فى نيويورك بالولايات المتحدة، بينما اقتحمت طائرة ثالثة مبني البنتاجون.. القلب العسكري للهيمنة الأمريكية، بينما سقطت طائرة رابعة –او تم اسقاطها- فوق ولاية بنسلفانيا الأمريكية، قبل أن تصل الى هدف لا يعلم سوي الله ما الذى سيكون… هذا مشهد يعجز مخرجي هوليود عن تخيله. شاهدناه نحن –والعالم- فى بث مباشر فى واقعة لا نكاد نصدقها حتي اليوم.
وكأن الأحداث تكرر نفسها، تعرضت مدينة (باريس) الفرنسية لعدة هجمات ارهابية متزامنة، يمكن اعتبارها (11سبتمبر اوروبية)، تراوحت الأحداث فيها ما بين التفجيرات وتبادل اطلاق النار وحتي احتجاز الرهائن فى مسرح (باتاكلان) وتناقلت وسائل الأعلام بأختلاف وسائلها العديد من الصور وملفات الفيديو مباشرة من قلب الأحداث، فى سلسلة عمليات ارهابية تتشابه وأفلام هوليود عالية الميزانية والغير قابلة للتصديق.
يمكن الذهاب الى ابعد من هذا والقول ان السينمات المصرية قد استقبلت مؤخراً، وفى وقت متزامن تقريباً مع الأحداث الأرهابية، فيلم Bus657او Heist والذى يستعرض قصة اختطاف عصابة محترفة لأتوبيس محمل بالركاب الأبرياء!
ربما يحظي الفيلم الذى تم اطلاقه فى مصر مؤخراً بفرصة غير مسبوقة فى الدعاية، نتيجة التشابه بين الخط العام للفيلم وبين أحداث باريس التى شهدتها فرنسا مؤخراً، فالفيلم الذى اخرجه (سكوت مان)، -وهو بالمناسبة مخرج من اصل بريطاني- يحكي عن محاولة رجل يائس يقوم بدوره (جيفري مورجان) السطو على كازينو شهير يملكه رجل لا يرحم قام بدوره (روبرت دي نيرو)، للحصول على المال الكافي لعلاج أبنته من مرض السرطان الذى ينهش جسدها الصغير .
على الرغم من اتمام عملية السرقة بنجاح، إلا ان رجال (دي نيرو) ينطلقون فى مطاردة شرسة ضد اللصوص، الأمر الذى يدفعهم فى النهاية لأستيقاف حافلة ركاب وأختطاف ركابها كرهائن، للضغط على الشرطة لعدم مطاردتهم، الأمر الذى يحول الفيلم من مجرد فيلم عن عميلة سرقة، لفيلم عن عملية احتجاز رهائن، ما يعيد فى الذاكرة عملية باريس.
ويمكن استغلال عملية الرهائن الفرنسية للدعاية للفيلم، ويعتبر هذا الاسلوب من اساليب الدعاية الغير تقليدية للأفلام، كما قام القائمين على فيلم Spectre بالدعاية لفيلمهم من خلال دخول الفيلم لموسوعة (جينس) العالمية للأرقام القياسية لأحتواءه على اقوي مشهد انفجار فى تاريخ الأفلام.
ومع زيادة الأفلام التى تحكي عن عمليات احتجاز الرهائن، يمكننا ملاحظة التشابهات بين ما يحدث فى الحقيقة وما نشاهده فى السينما بخصوص هذه القضايا، فعلى سبيل المثال اتصفت التغطية الأعلامية لحادث باريس بمحاولة رجال الأعلام الحصول على اي تصريحات من المحتجزين، فى نفس توقيت خروجهم من المسرح، وهو المشهد الذى نراه كثيراً فى الأفلام الأجنبية عندما تسارع الأطقم الأعلامية بمحاولة انتزاع ما يمكن انتزاعه من شهود العيان ومن الناجين من حادث الأحتجاز.
كما تشابهت ردود الفعل الحكومية على الحادث مع ردود الافعال التى نشاهدها فى الأفلام، فمع تعرض باريس لسلسلة الهجمات تم اغلاق الحدود وبداية حالة الطوارىء ، وكلها مشاهد سبق ان شاهدنا ما يقاربها فى فيلم مثل The Dark Knight الذى تم انتاجه فى 2008 كجزء ثان من سلسلة بات مان بعد اعادة تقديمها على يد المخرج (كريستوفر نولان)، ويظهر فى الأحداث شخصية (الجوكر) او (هيث ليدجر) وقد استطاع السيطرة على قوارب تقل المدنيين، واحتجزهم كرهائن للبرهنة على وجهة نظره الارهابية، ما دفع مدينة جوثام لفرض حالة الطوارىء واغلاق حدود المدينة للسيطرة على الأوضاع.
اما ما اختلف بين الواقع والسينما، عدم وجود شخصية (المفاوض) التى تظهر دائماً فى الأفلام الخاصة بوقائع احتجاز رهائن، ولعل افضل الأفلام التى ناقشت شخصية المفاوض هو الفيلم الذى يحمل نفس الاسم، ومن بطولة صامويل جاكسون و كيفن سبيسي، ومن اخراج (اف جراي جراي)، ويحكي الفيلم عن قيام خبير بالتفاوض فى عمليات الأختطاف واحتجاز الرهائن، يقوم هذا الخبير مضطراً باحتجاز مجموعة من الرهائن، ويضطر للتعامل مع خبير مثله فى هذه العمليات ما يعد مباراة فى الذكاء من خلال احداث الفيلم.
أفلام احتجاز الرهائن شهيرة وتجذب المشاهدين، مثل فيلم Cape Fear والذى تم تقديمه للمرة الأولى عام 1962 من بطولة جريجوري بيك و روبرت ميتشوم، ويحكي عن محاولة مجرم سابق احتجاز اسرة المحامي الذى كان موكلاً للدفاع عنه، للأنتقام منه على خلفية قيام الأخير بالأهمال فى الدفاع عنه فى المحاكمة.
النجاح الكبير الذى حققه الفيلم دفع المخرج العالمي مارتن سكورسيزي لأعادة تقديم الفيلم عام 1991 من بطولة روبرت دي نيرو و نيك نولت. وحققت اعادة التقديم نجاحاً متميزاً هى الأخري نظراً لقوة القصة وقوة الأداء التمثيلي لأبطالها.
ومع انتهاء المجزرة الباريسية، ومع اهتمام الفنانين بتجسيد القصص المقتبسة عن قصص حقيقية، كونها من احد اهم العوامل للفوز بالجوائز الهامة فى عالم السينما وعلى راسها جائزة الأوسكار، هل سنشاهد فيلماً يناقش عملية باريس قريباً؟
أبراج التجارة العالمية : واحدة من اشهر الرموز الاقتصادية فى العالم، وهما برجان يطلق عليهما (البرجان التوأمان) ويقعان فى مدينة نيويورك الأمريكية، وتعرضوا لحادث ارهابى شهير فى 11سبتمبر2001 ادي لانهيارهما بالكامل.
(روبرت دي نيرو): واحد من اشهر فناني هوليود من مواليد 1943 وحصل علي جائزة الأوسكار مرتين، واحدة منهم كانت عن فيلم (العراب) الذى يعد واحدا من اشهر ادواره التى أداها على مدار تاريخه الفني الحافل.