مقالات التقرير

بعد وفاته فى حادث غامض : الأسطورة جون ناش فى A Beautiful Mind

قراءة سهلة

قُتل فيلم A Beautiful Mind عرضاً وتحليلاً، لكن الفيلم – الذى يُعد واحداً من أشهر وأجمل أفلام هوليود – ستُعاد مشاهدته مراراً وتكراراً فى الفترة الأخيرة، تزامنا مع مصرع عالم الرياضيات الشهير (جون ناش) فى حادث مأساوي، لا يقل غرابة عن حياة الرجل التى كانت صراعاً مستمراً مع الرياضيات.. والمرض العقلي.

جون فوريس ناش المولود فى 13 يونيو 1928 والمتوفى فى 23 مايو 2015 عن عمر يناهز السابعة والثمانين عاماً لم يكن عالماً عبقرياً متميزاً فحسب، بل ان حياته كانت رحلة من الكفاح ضد المرض النفسى، والبحث العلمي الرياضياتي فى ان معاً. وهذا ما جسده العبقري Russell Crowe فى الفيلم الذى حمل اسم (عقل جميل) وفاز بأربعة جوائز أوسكار. وسط ترحيب جماهيري ونقدي منقطع النظير.

يبدأ الفيلم بمشاهد افتتاحية للعالم (جون ناش) اثناء تواجده فى الجامعة بصحبة رفيق غرفته (تشارلز) او Paul Bettany والذى يبدو على النقيض من (ناش)، اكثر انفتاحاً على الحياة واكثر تقبلاً لمتغيراتها، ما يعادل غرابة اطوار (ناش) وتعامله الصلف مع الجميع كعادة العباقرة والعلماء.

– لا أحب الناس ولا يحبونني!

هكذا يقوم (ناش) فى بداية الفيلم، ويبدأ فى التفرغ لأبحاثه ودراساته فى مجال الرياضيات باسلوب غريب وغير تقليدي، بل يمكن القول بأن اسلوب (ناش) فى الدراسة وتعمده التغيب عن المحاضرات العلمية، كان محط سخرية واستهزاء زملاءه. كان يبحث عن فكرة فريدة ومميزة. بداية بدراسة طريقة الحمام الموجود فى الحرم الجامعي فى التحرك، ونهاية بالخسارة فى لعبة ذكاء وكتابة المعادلات الرياضية على نافذة غرفته. كان (ناش) يعكس صورة غريب الأطوار عديم الموهبة. الباحث وراء السراب.

اثناء قضاؤه احدي السهرات مع اصدقاءه فى احد الحانات، تبدأ موجات من الالهام فى ضرب عقله تباعاً، يهرول مبتعداً عن اصدقاؤه بعد ان يلقي لهم بجملة رنانة سيُسمع صداها كثيراً فيما بعد :

– ادم سميث يا سادة.. كان مخطئا!

يبدأ (ناش) فى تطوير ما عُرف بـ(نظرية الألعاب)، وهى احدي النظريات الرياضية المعقدة، والتى سميت فيما بعد باسمه نظراً لقدرته على تطويرها والتفاعل معها. لكن هل تنتهي احداث الفيلم –واحداث حياة ناش- عند هذا الحد؟

بالعكس.. كان فصلاً شديد الخطورة والأهمية قد بدأ فى حياة (ناش)، عندما يبدأ الفيلم فى استعراض كيف تم استدعاء (جون ناش) للبنتاجون لطلب مساعدته فى حل بعض الشفرات السرية التى يستعملها عملاء للروس لتفجير قنبلة نووية فى قلب الولايات المتحدة!، وكيف كانت مهمة ناش التى شرحها باستفاضه ظابط الاستخبارات (باركر) او Ed Harris .

يبدأ ناش فى محاولة تحليل الجرائد والمجلات اليومية الصادرة فى الولايات المتحدة، للبحث عن شفرات مخبئة، مجهود كبير و عصف ذهني بالغ الصعوبة ذلك الذى بذله ناش فى سبيل الوصول لاهدافه ومساعدة بلاده. تزامن هذا مع علاقته بالجميلة (اليسيا) او Jennifer Connelly والتى ستكون زوجته فيما بعد.

يتورط (جون) يوما بعد يوم فى عمله مع الاستخبارات، يتورط فى مطاردة بالسيارات وتبادل لاطلاق النار، كل هذا دون علم زوجته التى تبدا فى الشك بخصوصه، حتي تضطر فى النهاية لأبلاغ الأطباء بخصوص شكوكها، فيتم القبض عليه. وهنا يتلقى مشاهدي الفيلم صدمة عمرهم.

كل ما يحدث لناش فى النصف الثاني من الفيلم هو محض تخيلات فصامية اصيب بها على خلفية اصابته بمرض عقلي. رفيقه فى الغرفة؟ وهم.. ظابط المخابرات؟ وهم .. الفتاة الصغيرة التى يراها فى الجامعة؟ وهم ! ان البروفيسور جون ناش يخطو خطواته الاولى بثقة على طريق الجنون!

يبدأ (ناش) فى النصف الثاني من الفيلم، رحلته الاكثر صعوبة وأهمية : الصراع مع المرض. خاصة المرض العقلي الذى يؤثر على قدرته  على التحصيل العلمي والتدريس فى الجامعة. كانت الشخصيات التى ابتكرها عقله تطارده فى كل مكان. تنتصر عليه حينا وينتصر عليها فى احيان عديدة. هل يمكن للدواء ان يخفف من معاناته؟

نعم… لكن من قال ان الدواء هو اسهل الطرق للعلاج؟ تسبب العلاج فى اصابة (ناش) بحالات من الاكتئاب وقلة التقدير للذات. ما دفعه فى التفكير فى الانتحار فى احيان كثيرة، كما اثر على قدرته الجنسية فاضطر للتوقف عن تناوله، وهنا عادت الشخصيات الوهمية لمطاردته من جديد.

يكاد يقتل طفله الصغير فى احدي نوباته الجنونية، ويعتدي بالضرب على زوجته المثابرة والتى تحملت الامرين فى سبيل علاجه. وتبدأ الخيالات فى مهاجمته بشكل اكثر قوة هذه المرة، فينعزل فى احد الاكواخ التى تكتشفها زوجته مصادفة فتجده مغطي من الداخل باوراق الجرائد والمجلات التى يبحث فيها (ناش) عن الشفرات!

يقرر (جون) ان يستكمل علاجه بنفسه وبطريقته الخاصة، تماما كحياته التى قضاها بطريقته الخاصة. قرر (ناش) الابتعاد عن تناول العقاقير التى كانت تجفف نبع حياته، وبدأ فى تجاهل الشخصيات التى تظهر له بشكل متكرر.. لم يكن الامر سهلاً، وتعرض (ناش) للكثير من المضايقات والمواقف المحرجة. لكنه استطاع فى النهاية التغلب على مرضه والتفرغ لابحاثه واكتشافاته المذهلة فى عالم الرياضيات.

الفصل الاخير فى حياة (ناش) لم يتناوله الفيلم. بل تناولته الصحافة العالمية والعربية التى فجعتنا بخبر وفاة (ناش) فى حادث سيارة اليم، فى ولاية (نيوجيرسي) الأمريكية، حيث لم يستطع قائد سيارة الأجرة –وهو مصري الجنسية يدعي طارق جرجس بالمناسبة- تفادي سيارة اخري على الطريق السريع، ما ادي لحادث خطير ادي لوفاة (ناش) وزوجته المخصلة، وكأنما القدر يريد ان تشاركه نهايته كما شاركته حياته المليئة بالأنجاز والألم.

قام الفنان راسل كرو بطل الفيلم بنشر تعازي بخصوص وفاة (ناش) وقام بنشر صورة تجمعه به فى كواليس العمل

زر الذهاب إلى الأعلى