مقالات التقرير

قط وفار : اللعبة بين المواطن والدولة فى مصر.

قراءة سهلة

لا تقع فى الفخ مثلما وقع الكثيرون قبلك، عندما يعلن الكاتب المصري الشهير (وحيد حامد) نيته ان يكتب فيلما كوميديا، فالكوميديا هى أخر ما يسعي اليه الكاتب المخضرم! فعلى الرغم من الاختلاف السياسى معه من قبل الكثيرين، لا يستطيع هؤلاء الكثيرون أيضا انكار قدرته على الكتابة المحترفة المخضرمة المليئة بالرمز والاسقاط.

القط والفأر فى الفيلم هما المواطن والدولة، او (الحكومة) كما يسميها البسطاء فى مصر، علاقة القط والفأر التي نشأت بشكل شخصى بين (حماده الفار) او (محمد فراج) من جهة، وبين وزير الداخلية بصفته وشخصه (عباس القط) فى محاولة من الأول للوصول لجسد والدته المتوفاة فى منزل وزير الداخلية صبيحة حفل خطبة ابنته، الأم تدعي (ألطاف) او (سوسن بدر)، يحلم رجال المنطقة الشعبية التي تقطنها بالزواج منها بينما تلاعبهم هى كلعبة القط والفأر أيضا.

ينتقل بنا المتميز وحيد حامد من الشخصى الى العام، بسهولة ويسر وبخفة كوميدية قابلة للتفسير على أكثر من وجه، فالفيلم يمكن مشاهدته كفيلم خفيف كوميدي، ويمكن مناقشته كفيلما سياسيا محترفا من الدرجة الأولي، ونحن نفضل تناول الفيلم من الزاوية الثانية.

مشكلة (ألطاف) شخصية بالمقام الأول، ترقص فى منزل وزير الداخلية لتدخل الفرح لقلوب الفتيات المدللات، تسمعهن (الزغاريد) التي لا يسمعنها الا فى اجهزة التلفاز الضخمة، تتمني للعروس حياة سعيدة ثم تتلقى قروشا ضئيلة من السيدة (ميرفت) حرم الوزير – قامت بالدور سوزان نجم الدين- لكن المشكلة تتطور من (الشخصى) الى (العام) عندما تسقط المرأة العجوز صريعة، بينما لا يتوقف المطرب الشعبى عن ترديد الأغنية فى خلفية الأحداث : “الواد قلبه بيوجعه” !

تتحول المشكلة لمشكلة عامة، كيف تعامل الدولة موتاها؟! يمكن تشبيه وزير الداخلية بالكيان المصري، ألطاف ماتت تحت سماء هذا الوطن وأمام عينه، لكن ماذا كان رد فعل الوزير المخضرم؟ اجري اتصالا سريعا بابنها ليتسلم الجثمان، بينما يتفرغ هو لتفاصيل حفل خطبة ابنته!

(حماده الفار) تبدأ مشكلته شخصية للغاية، خجول جبان لا يقوي على المواجهة، يعجز عن الاعتراف بحبه لزميلته فى العمل – العمل فى جريدة الاهرام بالمناسبة- ، لا يتذكر رؤساؤه طبيعه عمله، او حتي المؤهل الدراسى الحاصل عليه، يتلقى اتصالا من وزير الداخلية عبر مديره يخبره ان والدته قد توفت، فقط ليكتشف جميع العاملين أن (حماده) يرتبط بعلاقة قرابه مع السيد وزير الداخلية، حينها تنقلب الاية ويصبح (حماده) هو اهم شخص فى جريدة الأهرام ! هنا تظهر الاشكالية الاكثر عمومية فى قصة حماده : الفارق فى المعاملة عندما تكون (مسنودا) وعندما لا تكون كذلك ..

” مش كنت تقول انك قريب السيد وزير الداخلية؟! على الأقل كنت خليتك تشتغل فى وظيفة تليق بمقامك. انت مش بتعرف تقرا وتكتب؟! كنت خليتك رئيس تحرير!”

هكذا يهتف المدير المنافق لطفي لبيب، بينما يهم (حماده) بالانصراف للبحث عن حل لمشكلته الشخصية. المشكلة التي تتوسع لتتحول لمشكلة عامة، من ينقذك فى مصر اذا كان خصمك وزير الداخلية؟!

يتعاون اهل المنطقة البسطاء لمعاونة (حماده) فى مشكلته، هؤلاء الذين كانوا طامعين فى والدته منذ قليل تحولوا لاعز اصدقاء! هكذا هى الاحوال الشخصية فى المناطق الشعبية فى مصر، ويُرمز لأهل المنطقة البسطاء بالشعب المصري، قد يطمعون فيك احيانا، لكنهم يهبون لانقاذك اذا تعرضت لمكروه فى نفس الوقت، فى ازدواجية محببة لا يفهمها سوي المشاهد المصري.

ينطلق (حماده) فى حرب غير متكافئه بين الدولة الساعية لتحسين صورة وزير الداخلية، المتعاون مع احد رؤساء تحرير احد الجرائد المعارضة، فى اسقاط مباشر على المعارضة المجمدة التي استعملها الرئيس السابق حسني مبارك، والذى تملأ صورته جدران خلفية المشاهد فى محاولة تأريخ زمني لأحداث الفيلم.

رئيس الجريدة المعارضة يحاول تحسين صورة السيد الوزير من خلال نصحه بالغاء حفل الخطوبة، خاصة بعد تسريب خبر الوفاة من خلال جريدة الاهرام واسعة التوزيع فى مصر، يتهافت الوزراء على تعزية زميلهم صاحب المنصب الأهم فى الوزارة، ثم يتلقى وزير الداخلية تعزية من رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية تحسم الجدل وتجبره على الغاء الحفل الذى فوجىء المدعوين له بتوزيع القهوة و (الشربات) جنبا الى جنب، بالاضافة لحضور المدعوين نصفهم برداء السهرة والنصف الأخر بلباس العزاء!

تهب الدولة لتحسين اوضاع المقابر التى سيتجه لها وزير الداخلية فى اشارة واضحة لعدم اهتمام الدولة سوي بالظهور الاعلامي المشرف، يلتقى الوزير بسيدة عجوز من جيرانه القدامي، تضع الوزير فى موقف محرج وكوميدي فى أن واحد، انقلب المشاهدين فى دار العرض على وجوههم من فرط السخرية البارزة من المشهد عندما تأمره السيدة العجوز بشراء بعض ارغفة الخبز الساخن، التي كانت –ولا تزال- من المشكلات الاساسية التى تعجز الدولة المصرية عن توفيرها بكرامة للمصريين.

ينتقل الفيلم فى كل مشهد لمشكلة من مشاكل الشعب، وكيف يمكن للدولة حلها بضغطة اصبع، فقط اذا ارادت ذلك، بداية من مشكلة الدفن الائق للجثث ورغيف الخبز، ومنها الى مشكلة ظبط الخارجين عن القانون وحماية الابرياء، ونهاية بتوفير الكرامة الانسانية للمواطنين، والحد الادني الازم لحياة أدمية لا يعيشها المواطن فى الوقت العادي.

قد يبدو (قط وفار) فيما كوميديا تافها، لكن الرسائل المسربة من خلاله، سواء اتت بشكل مباشر او بشكل اكثر التفافا، تشير لوضع سياسى واجتماعي متدهور، يسطير على قمته المنافقين والمنتفعين، ويعانى فى اسفله المهمشين والفقراء، وبعيدا عن الحل الفانتازي الاستسهالى فى نهاية الفيلم، يبقى السؤال معلقا مع تترات الفيلم التي قام فريق (شرموفرز) بغنائها :

هل تغير اى شىء من احداث (قط وفار) بعد زوال حسني مبارك ونظامه؟ وهل من الممكن ان نطمح لتغيير حقيقي فى الاحداث المصرية بعد الثورة؟

زر الذهاب إلى الأعلى