جريدة المقال

من الذبح للصعق لمحاولة إنهاء أزمة مختطفين… حكايات مصرية أولمبيه

قراءة سهلة

      يعرف المصريون جميعهم –تقريبا- شارع خضر التوني بمنطقة مدينة نصر بالقاهرة، ويعرف قلة منهم أن إسم الشارع مستوحي من إسم البطل الأوليمبي المصري (خضر التوني) المولود فى 1916 والذى بدأ حياته متدرباً على رياضة رفع الأثقال فى نادي شبرا الرياضى بالقاهرة، قبل أن يشق حياته بصعوبة وسط منظومة بيروقراطية ودولة لا تعترف سوي بكرة القدم كرياضة تستحق الإهتمام!

      استطاع خضر التوني الوصول لألمبياد 1936 المقامة فى مدينة برلين الألمانية… ووقف فى مواجهة نارية مع الألماني (ايزماير) نجم رفع الأثقال وصاحب لقب بطل العالم أنذاك.. وتابع الرئيس الألماني (هتلر) المنافسات شخصياً، وكان فى بداية المنافسة يشعر بالإطمئنان، لكن هذا الإطمئنان تحول لخوف من فقدان اللقب ثم تحول الخوف لحقيقة عندما انتزع خضر التوني لقب بطل العالم من (ايزماين) وتسبب للزعيم الألماني بصدمة حتي أنه يقال أنه تمني لو كان (التوني) يحمل الجنسية الألمانية. كما طلب هتلر مقابلته بشكل شخصى وتهنئته بالفوز فى المقصورة الرئاسية.

     وعلى الرغم من النصر الصعب الذى انتزعه (خضر) إلا أنه لم يلق التشجيع والدعم الذى يتناسب مع هذا الإنجاز المتميز.

     شارك خضر بعد ذلك في دورة الألعاب الأوليمبية بلندن عام 1948 وكان يستعد للحصول على الميدالية الذهبية ولكن إصابته بالتهاب في الزائدة الدودية حال دون ذلك وساءت حالته، فأمر محمد طاهر باشا رئيس البعثة المصرية في الأولمبياد بإدخاله المستشفى لإجراء جراحة، ولكن التوني أصاب الجميع بالدهشة عندما وجدوه على ميزان الوزن مقررا أن يرفع الأثقال رغم التهاب زائدته الدودية وحصل التوني على المركز الرابع وسط دهشة الحاضرين على الرغم من الخطورة الشديدة التى قد يتعرض لها نتيجة الضغط على الزائدة الدودية.

     ومن عجائب القدر أن يتوفي خضر التوني صعقاً بالكهرباء فى 1956 وهو يُحاول إصلاح الكهرباء فى منزله بنفسه، لأنه لم يكن يملك المال الكافى لإستئجار الكهربائى، وهى نهاية مأساوية تدل على إهمال الدولة لأبطالها وعدم اهتمامها بهؤلاء الذين استحوذوا على اهتمام العالم أجمع.

     قبل واقعة وفاة التوني بسنوات عديدة، وتحديداً فى 1928 شارك البطل المصري فريد باسيلي سميكه فى الألمبياد، واستطاع الحصول على ميدالية فضية وبرونزية فى السلم الثابت والمتحرك ثم فاز باسيلي ببطولة العالم فى الغطس عام 1932 ويبدو أنه لم يلق اهتماماً يذكر من الدولة فقرر الإعتزال والسفر للخارج وكان ذلك عام 1933.

     قدم برفقة زميله الأميركي هارولد سميث، عروض غطس أبهرت العالم. وعمل مدرباً لمنتخب المملكة المصرية في الغطس عام 1935، وشارك في دورة برلين 1936.

اقتحم هوليوود منخرطاً في عالم السينما، حيث عمل دوبليراً في أحد المشاهد بفيلمي طرزان، و(ما وراء البحار)، كما شارك في فيلمين وثائقيين عن رياضة الغطس، بعنوان (الغطس المزدوج) 1939، و(الرياضات المائية)1941.

     لكن نهاية باسيلي جائت بأغرب ما يكون، عندما التحق بصفوف الجيش الأمريكي ابان فترة الحرب العالمية الثانية، وعمل مصوراً حربياً للمواقع اليابانية، ثم تم اسقاط الطائرة الحربية التى كان يعمل عليها وأُخذ أسيراً بأيدي اليابانيين، أعلنت حكومة الولايات المتحدة عن وفاته  رسمياً فى ديسمبر 1945 وتم اعتباره مفقوداً فى المعارك الحربية ضد شرق أسيا، وتواردت بعض الشائعات من بعض الأسري العائدين من هذه المناطق أنه ذبح بأيدي اليابانيين وتم تعليق رأسه على سور أحد معسكرات الاسري ليكون عبرة لكل من يحاول الهرب.

     بعد كل هذه الأحداث وتحديداً فى 1972 وقبل عام واحد من اندلاع حرب أكتوبر بين مصر واسرائيل، اشتعلت الألعاب الأولمبية المقامة لأغراض سلمية بالمقام الأول، اشتعلت نتيجة اختطاف مجموعة من الفدائيين الفلسطينيين للفريق الأوليمبي الإسرائيلي بالكامل، وأخذهم رهائن فى غرف الإقامة فى القرية الأولمبيه.

     خطط للعملية الفدائية ظابط مخابرات فلسطيني اسمه (على حسن سلامه)، سمته اسرائيل (الامير الأحمر) لبشاعة عملياته ضد الكيان الصهيوني، واستطاع التخطيط لتسلل مجموعة من الفدائيين الفلسطينيين بالسلاح داخل قرية الالعاب الأولمبية بمدينة ميونخ الألمانيه وقامت الدنيا ولم تقعد وحاولت اسرائيل بكل طريقة حل الأزمة بالطرق السلمية، ألمانيا هى الأخري حاولت حل القضية بوساطة العديد من الدول العربية والإسلامية، وكانت ألمانيا تخشى على علاقاتها المتوترة بالكيان الصهيوني خاصة وأن ذكريات الحرب العالمية  الثانية ومذابح هتلر بحق اليهود لا تزال فى الذاكرة.

     تقول بعض التقارير أن أعضاء فى البعثة الأولمبية المصرية حاولوا التواصل مع الفريق الفلسطيني المختطف، وحاولوا اقناعهم بالعدول عن العملية وقبول التسوية والخروج من الوضع الصعب، إلا أن فريق الفدائيين تمسكوا برأيهم ورفضوا أي عروض للتسوية. ولم تحدد التقارير أسماء أو تخصصات أعضاء البعثة المصرية الذين حاولو  التوسط فى العملية، لكن كان من ضمن مقترحاتهم محاولة التوسط لدي الحكومة الألمانية لضمان خروج الفلسطينيين بأمان للقاهرة عبر طيران (لوفتهانزا) الالماني.

     جائت النهاية بشعة عندما فتحت القوات الألمانية النار على الفريق الفلسطيني أثناء محاولتهم الخروج بالرهائن، فما كان من الفلسطينيين إلا أن بادلوهم إطلاق النار الأمر الذى أدي لوفاة الفريق الفلسطيني والإسرائيلي على حد سواء… واشتعلت فلسطين بمسلميها ويهودها فى حالة من الحزن والحداد كل على رجاله.

     فيما بعد سيقوم الموساد بعملية استخباراتية واسعة ستشمل العديد من المدن والعواصم الاوروبية، فى محاولة للإنتقام من المخططين والمنفذين لعملية (ميونخ)، وسيتعرض الأمير الأحمر علي حسن سلامة لأكثر من محاولة اغتيال قبل أن تنجح اسرائيل فى استهدافه عن طريق تفخيخ سيارة بالقرب من موكبه فى لبنان عام 1979.

هتلر: الرئيس السابق لألمانيا ومؤسس الحزب النازي، استطاع الوصول للحكم بعد انتخابات ديموقراطية وعد فيها الألمان باستعادة مجدهم السابق ومحو أثار الحرب العالمية الأولي التى خسرتها ألمانيا، أشعلت خططه التوسعية الحرب العالمية الثانية حتي توفي منتحراً فى نهايتها مسلماً البلاد لطريق مظلم.

محمد طاهر باشا: طبيب مصري من أصل تركي و مؤسس ألعاب البحر الأبيض المتوسط و كان رئيس اللجنة الأولمبية المصرية وأيضا عضو في اللجنة التنفيذية اللجنة الأولمبية الدولية 1952-1957

زر الذهاب إلى الأعلى