(هانكس) و (سبيلبرج) يعبران جسر الجواسيس نحو الأوسكار.
يعرف نقاد السينما والمشاهدين المخضرمين على حد سواء، نوعية الأفلام التى يتم الدفع بها لدور العرض الأمريكية قرابة حفل توزيع جوائز الأوسكار من كل عام والذى يقام فى شهر فبراير. هذه الأفلام التى يتم تقديمها تسعي طوال الوقت لنيل شرف الترشح لأحد جوائز الأوسكار، ولربما الفوز بجائزة أو أكثر اذا حالف الحظ القائمين على الفيلم.
يمكن اعتبار فيلم (جسر الجواسيس) الذى يخرجه العالمي (ستيفن سبيلبرج) ويقوم ببطولته الأكثر عالمية (توم هانكس) اقتباساً عن قصة حقيقية تدور فى فترة الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، يمكن اعتبار هذا الفيلم محاولة جديدة من الثنائى (سبيلبرج) و (هانكس) لنيل الأوسكار مجدداً بعد حصولهم على الجائزة عن فيلم (انقاذ الجندي ريان).
يحكي الفيلم عن فترة الحرب الباردة، والصراع المستمر بين الولايات المتحدة وروسيا، هذا الصراع الذى شهد العمل الأستخباراتي خلاله قفزات نوعية أثرت على أسلوب العمل فى أجهزة المخابرات حتي يومنا هذا، وبالتأكيد كانت المخابرات الأمريكية (سى.أي.ايه) والروسية (كي.جي.بي) على طرفي صراع ساخن على الرغم من برودة الطقس فى الفترة الزمنية التى يتعرض لها الفيلم.
يستعرض الفيلم كيف سقط الجاسوس السوفيتي (رودلف ايبل)، والذى يجسد شخصيته (مارك رايلانس) فى قبضة المخابرات الأمريكية، والتى تسعي لأصدار حكماً بالأعدام عليه، لكن القانون يحتم علي الولايات المتحدة تعيين محامي للجاسوس، فيقع الاختيار على المحامي (جيمس دونوفان) والذى يقوم بدوره (توم هانكس) للدفاع عنه صورياً، الا ان (جيمس) يدافع عنه جيداً ويحاول ابراء ساحته، الا ان القاضى يبدي تعنتاً متوقعاً تجاه الجاسوس، ولا يصبح امام (جيمس) سوي نصيحة القاضى بالحكم بأي حكم عدا الأعدام، حتي يمكن للحكومة الأمريكية الاستفادة منه فى المستقبل.
ينتقل الفيلم بعد ذلك للطيار الأمريكي (جاري باوزر) والذى يقع اسيراً لدي السوفيت بعد تحطم طائرة التجسس التى كان يقودها فوق الأراضي السوفيتية، ومن هنا يبدأ الفيلم فى التعرض لكيفية قيام المحادثات السرية بين الطرف الامريكي والسوفيتي للقيام بعملية التبادل، وهو حوار دار عبر اراضى المانيا المُقسمة غرباً وشرقاً فى ظل توتر عسكري مُنذر بقرب اندلاع حرب نووية وشيكة.
على الرغم من سخونة الأحداث التى يتعرض لها الفيلم، الا أن ستيفن سبيلبرج بأسلوبه الاخراجي أضاف للفيلم بعداً تقليدياً بارداً بعض الشىء، وحتي عند تصوير بعض المطاردات أو مشاهد إطلاق النار، كانت كاميرا (سبيلبرج) تمر على المشاهد بنعومة مبالغ فيها، ما سرب لدي المشاهد احساساً عاماً بالملل بعض الشىء، وكأن الأحداث ينقصها بعض (البهارات).
إعتماد سبيلبرج على تقديم قصة تاريخية حقيقية ليس الأول فى تاريخية، فسبق أن قدم فيلم (ميونخ) عن اصطياد الموساد الإسرائيلي للكوادر الفلسطينية المتسببة فى مقتل فريق الألعاب الأوليمبية فى مدينة (ميونخ) الالمانية.
الزيارة الثانية من سبيلبرج للقصص الواقعية كانت مع الفيلم التاريخي (لينكولن) والذى يستعرض قصة حياة الرئيس الأمريكي الاشهر وحربه ضد العبودية فى الولايات المتحدة أنذاك. لماذا اذن يهتم (سبيلبرج) مؤخراً بتقديم القصص المقتبسة عن احداث حقيقية وتاريخية؟
الأجابة ببساطة هى السعي وراء الأوسكار، وجوائز الأوسكار تذهب فى الغالب لصالح الأعمال التى تحكي قصصاً حقيقية، وهنا يحاول الثنائى (سبيلبرج) مخرجاً و(توم هانكس) بطلاً اعادة التجربة التى قدماها سوياً عام 1998 فى (انقاذ الجندي ريان) الذى نال العديد من جوائز الأوسكار وترشح للعديد منها ايضاً.
السؤال الذى يطرح نفسه هنا.. هل ينجح هذا الثنائى فى حصد الأوسكار مجددا؟ وهل يوصل جسر الجواسيس (توم هانكس) و (ستيفن سبيلبرج) لبر الأوسكار؟ فى رأينا الشخصي لا نعتقد أن الحظ سيحالف هذا الثنائى مجدداً، خاصة مع النمط الهادىء للأحداث والموسيقي التصويرية الناعمة التى تسللت فى خلفية الأحداث، وكلها اموراً كانت تحتاج المزيد من السخونة لجذب انتباه المشاهد.
كل هذه العوامل كانت حاضرة بشدة فى (انقاذ الجندي ريان)، الفيلم الذى امتاز بمشاهد مُطولة مما يمكن ان نطلق عليه “اعادة تمثيل” لمعارك حربية كاملة جرت رحاها فى الحرب العالمية الثانية، لعل اشهرها –وأكثرها دموية- انزال القوات المسلحة الأمريكية قواتها على الشواطىء الفرنسية التى كانت القوات الألمانية الشرسة تسيطر عليها سيطرة كاملة.
هذا الأختلاف الجذري فى الطرح بين (انقاذ الجندي ريان) و (جسر الجواسيس) فى راينا لن يصب فى مصلحة الأخير، وان كانت حسابات الأوسكار دائما وأبداً تختلف عن أي حسابات أخري، ولا يسعنا الان سوي حساب الوقت حتي موعد تسليم الجوائز، وانتظار ما ستسفر عنه النتائج الفعلية.
توم هانكس : فنان امريكي وعالمي ناجح، من مواليد 1956 بولاية كاليفورنيا الأمريكية، من اشهر أعماله (انقاذ الجندي ريان) و (فورست جامب).
ابراهام لينكولن : (1809-1865) الرئيس السادس عشر للولايات المتحدة الأمريكية قاد حرباً شرسة ضد الولايات الامريكية المنفصلة عن الأتحاد الأمريكي، واستطاع بالفعل القضاء على الحرب الأهلية الأمريكية.