هل يقتل الأنقلاب الرعايا الأمريكيين؟!
لا نعتقد أن فيلماً كـ No Escape سيمر مرور الكرام فى الأوساط السياسية والأجتماعية الأمريكية، على الرغم من الغلاف الخارجي الذى قد يُصدر صورة خاطئة عن الفيلم كفيلم حركة بسيط التكنيك، الا ان الرسالة السياسية التى يحملها الفيلم وتظهر جلية فى الربع الأخير منه، قد لا تكون بنفس البساطة والوضوح.
يبدأ الفيلم بمشاهد افتتاحية فى دولة اسيوية حرص صناع الفيلم على عدم ذكر اسمها صراحة، وان كنا نعلم انها من الدول المشتركة مع (فيتنام) فى حدودها.
توضح المشاهد الافتتاحية كيف يتم اغتيال رئيس الوزراء بعد مقابلته احد الشخصيات الامريكية الهامة، لا نعلم سبب الاغتيال وان كنا سنعلمه بعد قليل، لكن السيناريو ينتقل بنا لماقبل حادث الاغتيال بحوالى 17 ساعة لنقابل المهندس جاك دواير او Owen Wilson والذى قرر ترك حياته فى الولايات المتحدة والأندفاع وراء عرض أمريكي باستثمار اختراعه الخاص بصمامات سدود المياة ليتم تطبيقها فى أسيا.
مصطحباً زوجته (أني) Lake Bell وطفلتيه الصغيرتين، تهبط الطائرة الى المطار فلا يجد أحداً باستقباله، لكنه يتعرف على احد الرجال غريبي الاطوار يدعي هاموند او Pierce Brosnan والذى يصطحبه للفندق.
بعد ان يقضى ليلته الاولى فى الفندق بلا تليفزيون او انترنت او حتي هاتف، يقرر التوجه فى اليوم التالى لساحة المدينة لشراء الجرائد، فقط ليكتشف الحقيقة المُرة التى تسببت فى كل الاحداث الغريبة منذ وطأت قدماه ارض البلاد الأسيوية.. لقد سقطت البلاد تحت نيران الانقلاب العسكري الدموي.. الانقلاب الذى قرر رجاله قتل كل من يصادفونه، حتي المواطن الامريكي المسكين الذى يراه (جاك) يقتل شر قتلة فى الشارع دون ذرة من تردد.
يهرع (جاك) نحو الفندق ليصطحب زوجته واولاده فى رحلة هروب سريعة فقط ليكتشف مصيبيتين : الأولى ان ابنته الصغري لا تزال خارج غرفة الفندق تسبح فى حمام السباحة، والمصيبة الثانية ان رجال الانقلاب قد وصلوا الى بهو الفندق الرئيسي، وان القائمين على العمل فى الفندق لن يستطيعوا الصمود لوقت كثير فى وجههم.
يهرع (جاك) فى محاولة سريعة لانتشال ابنته من حمام السباحة، ثم يحاول الهرب مع اسرته عبر ممرات الفندق هربا من حصار رجال الانقلاب الذين يقتلون كل من يصادفونه فى طريقهم حتي السياح الأبرياء.
بعد فترة من الهروب يستطيع من خلالها المخرج والمؤلف John Erick Dowdle اجبارنا على كتم انفاسنا فى العديد من المواقف، والشعور بالخوف الحقيقي فى مواقف اخري، وعند مرحلة معينة فى احداث الفيلم نكتشف السر الحقيقي وراء الانقلاب العسكري.
عند مرحلة ما يظهر (هاموند) غريب الاطوار وصديقه اللذين ساعدوا جاك على الوصول للفندق فى بداية الفيلم، ونفهم من سياق الاحداث انهم تابعين للمخابرات البريطانية، ويساعدون جاك واسرته على الهروب من الاسيويين الانقلابيين، وينجحون فى انقاذ زوجته من محاولة اغتصاب كادت ان تتم لولا تدخلهما فى اللحظة الأخيرة.
المشهد الذهبي فى الفيلم عندما يحاول (جاك) شكر (هاموند) على انقاذ زوجته فيقول له :
-لا تشكرني.. انا وامثالى السبب الرئيسي لهذا الانقلاب.
-كيف هذا؟
-ان لبلدينا –امريكا وانجلترا- مصالح فى هذه البلاد.. نشتري منهم ما هو حقهم ونبيعه لهم من جديد باضعاف الأثمان، وعندما يعجزون عن السداد يصبحون ملكنا اقتصادياً مدي الحياة.. دوري ودور امثالى ان يمهدوا لك ولأمثالك الفرصة للتحكم فى هؤلاء البشر.
يصمت (هاموند) ثم يكمل حديثه بأسى :
– عندما يحاول هؤلاء الاشخاص قتلك وقتلي هم بالأساس يحاولون حماية ابناؤهم من القتل وحياة الذل.. مثلك تماما!
تتكشف هنا العبرة الاساسية من الفيلم.. كيف تقوم الشركات متعددة الجنسيات الممولة من المخابرات الاجنبية بالتدخل فى الشئون الاقتصادية للدول الصغري والفقيرة، وكيف تثقلها بالديون وتجعل من انظمتها الاقتصادية انظمة ذليلة تابعة لها.. هذا هو الاحتلال الجديد كما تصور لنا احداث الفيلم.
نتابع بعد ذلك محاولة (جاك) الهرب بمساعدة رجال المخابرات البريطانية، بعد ان يكتشف ان السفارة الامريكية قد تم تدميرها بالكامل وقتل كل العاملين فيها، فلا يكون امامه سوي محاولة عبور النهر ليصل الى الحدود الفيتنامية وهى الدولة الوحيدة القادرة على حمايته هو وعائلته، على الرغم من الصراع السابق بين الدولتين من قبل.
تنتهي احداث الفيلم بقدرة جاك وعائلته على الهرب، لكن اذا كان جاك قد وجد الحماية المطلوبة، من يحمي البلدان التى تستهدفها القوي العالمية وتستعبدها اقتصاديا واجتماعيا ونفسيا؟ وهل لنا ان نسأل أنفسنا ما اذا كانت الولايات المتحدة تتخذ نفس الاجراءات والتدابير بخصوص بلداننا العربية المليئة بالموارد البترولية والبشرية؟!
ان اجابة هذا السؤال ليست بالبساطة التى يتخيلها البعض.
على صعيد الاخراج الفني استطاع المخرج والمؤلف اقناعنا بكل مشهد من مشاهد الفيلم، ويمكن تصنيف الفيلم تحت خانة الرعب النفسي.. انه ذلك الرعب الناجم عن السؤال القادر على فتح الف احتمال واحتمال بداخلنا : مالذي سيحدث لو كنت انا مكان البطل؟ هل سأصمد اذا كنت مكان (جاك) ؟ هل ساستطيع الهرب ومواجهة الأنقلاب فى مدينة اجهل طرقاتها ولغة اهلها فى الحديث؟
اعتمد السيناريو على التدقيق فى الاحداث الصعبة التى يمر بها (جاك) واسرته، فكل عقدة تمر بها العائلة يتم مضاعفة خطرها مرات ومرات من خلال سيناريو شديد التعقيد والواقعية، حتي الدراجة البخارية التى يستقلها (جاك) فى نهاية الاحداث لا تصل لهدفها بسهولة، بل تسقط ارضا ويضطر للاستعانة برجال الانقلاب لمساعدته على ارجاعها لحالها الاصلية فى مشهد دفعنا لقمة التوتر والخوف من انكشاف امره!
على الرغم من الدور الذى لعبته الموسيقي التصويرية فى الاحداث الا انها لا ترقي لمستوي الترقب العالي الذى اوصلنا له السيناريو، وان كان هناك عنصرا من عناصر صناعة الفيلم يستحق دور البطولة ها هنا فهو الأخراج الذى اوصل المشاهدين لذروة الترقب والاستمتاع بكل مشهد.
المشهد الاخير الذى ننهي معه جولتنا مع No Scape عندما يحاول جاك مقايضة ساعته الذهبية مقابل قارب من رجل اسيوي عجوز، فلا يكون من الرجل الا ان يرفض الحصول على الساعة ويطلب ان يحصل على حذاء (جاك) بدلاً منه.. فى اشارة واضحة لاختلاف الاحتياجات بين البشر، وان المال قد لا يكون المكافأة الوحيدة لبعض الاشخاص.