مقالات كايرو 360

٢٠٠ جنيه: ورقة عملة شاهدة على المجتمع

قراءة سهلة

يوسف شاهين له جملة مأثورة بيقول فيها: في كل أفلامي لغز غامض لا يقوي علي فهمه الكسالى،  الذين يريدون بحكم التعود فهم الأشياء مسبقًا قبل التفاعل معها.

في مرحلة ماقبل انتاج الفيلم، وماقبل كتابة كلمة واحدة في السيناريو، لازم القائمين على الفيلم يحددوا مع بعض، الجمهور المستهدف، واللغة السينمائية اللي هايتبعها الفيلم. وما اذا كان هايعتمد على شرح كل تفصيله في الأحداث، ولا هايسيب جزئية للطالب العبقري، اللي عاوز يجيب الدرجة النهائية ويقفل الامتحان؟

٢٠٠ جنيه كان راسم طريقه من البداية: مش هانسيب موقف واحد يحصل في الفيلم، منغير مانقدم له تفسير واضح ومباشر ولا يترك مساحة ولو ضئيلة للمشاهد علشان يشغل دماغه ويستنتج المخرج والمؤلف عاوزين يقولوا ايه من وراء الأحداث.

٢٠٠ جنيه بيحكي عن دورة حياة ورقة عملة قيمة ٢٠٠ جنيه. خرجت من دار سك العملة الى يد الست عزيزة السيد، اللي وضعت بالخطأ ختمها عليها، وازاي الفلوس دي أخدت دورتها بين كل أبطال الفيلم، لحد ما كانت هي نفسها المحرك الرئيسي للدراما في المشاهد الأخيرة الكارثية للأحداث.

رحلة ورقة العملة مش فكرة جديدة على السينما المصرية، واتقدمت قبل كده سنة ١٩٤٦ في فيلم بعنوان (الخمسة جنيه) اخراج حسن حلمي وبطولة محسن سرحان وزوزو نبيل وعبد الفتاح القصري. وبصراحة ما كانش عندنا علم بالمعلومة دي قبل ما يقولها الناقد المتميز طارق الشناوي.

٢٠٠ جنيه مكون من مجموعة قصص قصيرة، بيقوم ببطولة كل قصة واحد من الأبطال ضيوف الشرف. ميزة الفكرة دي أن المُشاهد مش بيلحق يزهق من القصة الأولى لحد ما يشوف القصة الثانية وهكذا. لكن العيب أن ما كانش فيه (ضفيرة) واحده أساسية بتجمع القصص القصيرة دي كلها مع بعضها. والزمن الخاص ببعض القصص كان أطول من اللازم، وبعضها كان أقصر من اللازم.

كل ده كان ممكن يعدي لو ما أصرش محمد أمين وأحمد عبد الله (المخرج والمؤلف على الترتيب) في أنهم يقدموا تفسير وتحليل لكل قصة من القصص. وكأن المُشاهد طفل قاصر لازم يحد يسقيه الدروس المستفادة من القصة بالمعلقة.

مثلا قصة هاني رمزي، الأب الفقير اللي بيحاول يقنع بنته بشراء هدومها من مكان أرخص من المكان اللي هي عاوزه تشتري منه، احنا كمشاهدين فهمنا الحيلة اللي لجأ لها علشان يقنع بنته – مش هانقدر نقولها علشان حرق الأحداث- بالتالي ماكانش فيه داعي نسمع مونولوج في نهاية المشهد يعيد التأكيد على الحكمة من القصة في النهاية.

نفس الفكرة دي بتتكرر في كل القصص تقريباً. وكأن الفيلم نفسه مش بيفسر أحداثه، وكأن المشاهد بيتفرج على لوحة ارشادية مش فيلم مطلوب منه يشغل دماغه في أحداثه ولو بشوية مجهود إضافي. نفس المشاهد اللي شاف ٢٠٠ جنيه هو اللي بيشوف أفلام يوسف شاهين وبيحبها ويتفاعل معاها ويفهمها. بالتالي مش محتاجين كل القدر ده من التوضيح.

توظيف ضيوف الشرف في الفيلم ما كانش أحسن حاجه. بعضهم كان بيأدي بالظبط الدور التقليدي له في كل أعماله السابقة، بدون أي تحدي جديد أو إعادة تقديم للممثل ده في دور مختلف. وده مُحبط لنا شوية كمشاهدين. لدرجة أننا لما شوفنا القصة اللي قام ببطولتها أحمد السقا، فهمنا علطول أننا في انتظار مشهد أكشن يبرز جدعنة وشهامة ولاد البلد. وللأسف اللي توقعناه لقيناه بالمللي.

بلغة الدراسة، فيلم ٢٠٠ جنيه كان في مستوى الطالب الأقل من المتوسط. ده امتحان يضمن الطالب نجاحه فيه، لكنه مش هايخرج حاسس بمتعة الطالب المتفوق اللي جاوب على سؤال ماحدش غيره عرف يجاوب عليه.

زر الذهاب إلى الأعلى