ولاد رزق.. الجريمة المنظمة بمفهوم جديد.
على الرغم من التنوع الكمي للأفلام التى يتم انتاجها لمناقشة قضية البلطجة، والتعرض لعمليات العصابات الخارجة عن القانون فى مصر، الا ان هذا التنوع الكمي لم يصاحبه تنوع كيفي يحفظ توازن العملية السينمائية الفنية، وانتصرت حسابات (البيزنس) على حسابات الفن، واهتم صناع هذه النوعية من الأفلام بشباك التذاكر، بأكثر ما اهتموا بالحفاظ على الجودة الفنية لأفلامهم.
لكن ملاحظتنا الأولى والأكثر أهمية عن فيلم (ولاد رزق)، والذى استقبلته دور العرض المصرية فى موسم عيد الفطر، انه استطاع تحقيق المعادلة الصعبة بين تقديم فيلم حركة جماهيري قادر على المنافسة بقوة على شباك التذاكر، وبين القدرة على تقديم فيلم فني يعتني بأدق التفاصيل الفنية بداية من السيناريو والحوار وانتهاء بالمونتاج والأخراج مروراً بكل عوامل صناعة الفيلم على الصعيد التقني والفني.
يبدأ الفيلم بمشاهد افتتاحية لمنطقة شعبية لم يتم تحديد أسمها، حيث يعيش أربعة أشقاء فى ظروف اجتماعية ومادية سيئة للغاية. يتفق الأشقاء بلهجة لا تقبل الأستهانة على الأتحاد سوياً للخروج من الحياة الصعبة التى يعيشونها، الأتفاق الذى يجرهم جراً للعديد من العمليات الأجرامية التى تنوعت ما بين عمليات صغيرة ومتوسطة، انتهاء بعملية سطو مسلح على أحد المصارف، والتى تنتهي بفرار الأشقاء قبل القاء الشرطة القبض عليهم.
اعتمد المخرج طارق العريان على اسلوب الـ (فلاش باك) فى التعرض لأحداث الفيلم، فالمشاهد يري الأحداث من خلال رواية صديق الأشقاء الأربعة (عاطف) وقام بالدور الفنان أحمد الفيشاوي، والذى يتم القاء القبض عليه بمعرفة الظابط (رؤوف) والذى قام بدوره الفنان محمد ممدوح، فى محاولة من ظابط الشرطة لمعرفة الحقيقة وراء المجموعة الأجرامية المسماه (أولاد رزق).
على الرغم من ضخامة عملية سرقة البنك، الا ان التغير الحقيقي أو ما يمكن تسميته Twist فى أحداث الفيلم وفى خط سير السيناريو، يحدث عندما يقرر الأشقاء السطو على أحد الملاهي الليلية والذى يتمتع بسمعة أسطورية وبأجراءات تأمين غاية فى الأحكام والسيطرة. فالمكان الشبه مغلق لا يستقبل سوي كبار رجال الدولة وأثريائها، ويقدم مساحة أمنة لحياة ليلية ماجنة وسرية مقابل المال الذى يتدفق على المكان كالشلال.
يستطيع الأخوة التسلسل للمكان كزبائن مُهمين، بينما ينتظرهم أحد الأشقاء فى الخارج وفقا للخطة التى وضعها زعيم العصابة وأهم شخصيات الفيلم (رضا) والذى قام بدوره الفنان أحمد عز فى ابتعاد عن منطقة الأدوار الرومانسية التى كادت أن تطغي على نوعية الشخصيات التى يقدمها فى أفلامه مؤخرا.
بعد تخطيط جيد ينجح الأخوة فى تسريب سلاح للمكان، وزرع الرعب فى قلوب الجميع واطلاق بعض الأعيرة النارية، وفى نفس الأثناء يستطيع أحدهم التسلسل لغرفة الحسابات ويحتجز القائمين عليها… عملية سرقة متقنة بنسبة 100% يكاد أن ينجو الأشقاء الأربعة منها لولا تدخل من صاحب الملهي (الشناوي) والذى قام بدوره الفنان ولاعب الملاكمة السابق (محمد لطفى) والذى يواجه الأشقاء بقوة وينجح فى افشال خطتهم لسرقته وتحويل المكان لساحة ملاكمة وقتال شوارع واسعة!
يخرج الأشقاء من المعركة بخفى حنين، بينما يخسر أحدهم عينه فى المعركة الخاسرة، حينها فقط يقرر (رضا) ان تتوقف المجموعة عن عملها الغير شرعي، وأن ينخرطوا فى المجتمع بأموالهم التى سرقوها فى عملية البنك، ويحاولوا الحصول على عمل شريف يغنيهم عن اعمال البلطجة والسرقة بالأكراه. لكن الشقيق الثاني (ربيع) كان له رأياً مختلفاً. حيث قرر العمل منفرداً والخروج عن قواعد العصابة التى اتفقوا عليها عندما كانوا صغاراً… وسيكون لهذا الخروج عن النص ثمناً باهظاً.
فى محاولة للعمل منفردا ً ينجح (ربيع) فى أقناع أصغر اشقاؤه بالعمل معه، وينجح ايضا فى عقد صفقة مع أحد تجار المخدرات.
يكلفهم الرجل الذى لا يرحم –وقام بدوره الفنان سيد رجب- بتوصيل شحنة من المخدرات، لكن الشرطة المصرية تنجح فى ايقاف عملية التسليم والتسلم، وينجح الشقيقان فى الهرب بعد أن يتركا مخدرات بقيمة تزيد عن المليوني جنيه لتقع فى ايدي الشرطة… من سيدفع الفاتورة؟!
فى سبيل الضغط عليهم يقرر تاجر المخدرات الأحتفاظ بأحد الأشقاء كرهينة، يقطع اصبع الفتي ويرسله لأخوته فى محاولة للضغط عليهم لجني المال المطلوب فى الوقت المحدد، حينها يبدأ (رضا) فى التعاون مع اشقاؤه من جديد لسرقة كمية كبيرة من الذهب لدفع الفدية المطلوبة وانقاذ شقيقه. لكن تاجر المخدرات يصر على عدم التنازل عن بضاعته، والتى وقعت فى يد أحد ظباط الشرطة الفاسدين والذى يقرر بيعها لحسابه فى السوق السوداء للمخدرات فى مصر… فهل ينجح الأشقاء فى خداع الشرطة والبلطجية فى سبيل الخروج بشقيقهم سليماً من ساحة معركة لا تعرف سوي الرصاص كلغة للتعامل؟!
المخرج الفلسطيني الأمريكي (طارق العريان) –وهو ايضا زوج منتجة الفيلم الفنانة اصالة-، والذى قدم للسينما المصرية مجموعة من أهم وأقوي اعمالها فى السنوات الماضية مثل فيلم الأمبراطور فى 1990 و الباشا 1993 مع الراحل العبقري الفنان أحمد زكي، ثم ابتعد عن أفلام الحركة ليقدم الفيلم الرومانسى الشبابي (السلم والثعبان) فى 2001 والذى حقق نجاحاً كبيراً خاصة مع بطولة تلميذ المخرج يوسف شاهين الفنان (هاني سلامه) ثم يعود (العريان) مجدداُ للحركة مع فيلم (تيتو) فى 2004 والتشويق فى (اسوار القمر) 2015 ، يبدو أن طارق العريان قد حفظ الطريق لقلب المشاهد المصري.. مشاهد حركة سريعة واستخدام شيق للديكورات والأضاءة، ولعل مشاهد الملهي الليلي والذى بدا كأنه قطعة من الجحيم مع استخدام الأضاءة الحمراء بكثافة وتكنيكات التصوير المختلفة ولمسات الديكور البسيطة والتى اضفت على المكان طابعاً اسطورياً… كل هذه الأعاجيب لا تخرج سوي من جعبة مخرج متمكن كـ(طارق).
نعيب على الفيلم الأستخدام المفرط للألفاظ والأيحاءات، ما دفع بعض السينمات لتصنيف الفيلم كفيلم خاضع للأشراف العائلي، مع غياب لدور الرقابة المصرية فى الزام صناع الفيلم بكتابة عبارة (للكبار فقط) على أفيش الفيلم، لكن من الواضح ان صناع الفيلم كانت لديهم الرغبة فى حصد تذاكر جمهور المراهقين المتعطشين لفيلم حركة مصري فى موسم عيد الفطر.
كاتب السيناريو صلاح الجهيني، الذى اقترب من عامه السادس والثلاثين، وقدم للسينما سيناريو فيلم 30 فبراير وهو فيلم كوميدي خفيف يقترب من حافة الفشل الفني، يبدو أن الجهيني استطاع قلب الأية لصالحه هذه المرة من خلال سيناريو متشابك قائم على خداع المشاهد وسحبه لحافة الخدعة حتي النهاية ثم تسليمه لبحر من الشكوك المتلاطمة قبل ان يسلم الفيلم لنهاية مفتوحة قائمة على خيال كل واحد من المشاهدين لما يمكن ان تنتهي به الأحداث.
الأداء التمثيلي للفنان أحمد عز الخارج للتو من بعض المشكلات الشخصية التى وصلت لقاعات المحاكم المصرية كان متزنا ومعتمداً على نظرات الأعين ودرجة الصوت اثناء الحديث، بينما انطلق احمد الفيشاوي و محمد ممدوح فى افاق فنيه متميزة ورائعة، من خلال تعايش كامل مع الشخصية وقدرة فائقة على الأداء تحسب لموهبتين نحسبهم انهم من افضل المواهب الشابة للسينما المصرية.
نسرين امين فى بطولة نسائية ضعيفة وغير مستقرة، على العكس من السيد رجب الذى ادي شخصية تاجر المخدرات بقوة ناعمة يُحسد فيها على ذكاؤه وقدرته على التوحد مع الشخصية التى يقوم بأداءها.. والفيلم بالكامل يعتبر واحداً من الأفلام التى تقدم الجريمة المنظمة فى مصر بشكل مختلف وفى اطار درامي قوي ومتماسك.
اعلان الفيلم
اغنية الفيلم





