جريدة المقال

سينما التحول الجنسي.. ممنوعة فى قطر!

قراءة سهلة

“ليس كل ما يصلح للعرض هناك يصلح للعرض هنا”

بهذه الكلمات المقتضبة علق الكاتب حسن الساعي فى جريدة (العرب القطرية) على قرار الحكومة القطرية وقف عرض الفيلم البريطاني (الفتاة الدنماركيه)  فى دولة قطر وهو القرار الذى وجدت فيه الدولة هناك الحل الوحيد لمواجهة الخطر الأخلاقى والإنساني الذى يمثله شريط مرئى لا تتعدي مدته الساعتين عن قصة تحول جنسي تحدث اليوم مئات المرات فى كل المجتمعات ومنها المجتمعات العربية نفسها!

الفيلم الذى يعرض فى الولايات المتحدة منذ ديسمبر 2015 وينافس بقوة على الأوسكار، ويعرض فى مصر والعديد من الدول العربية هذه الأيام لن يتم عرضه فى قطر بحجة مخالفته لقواعد الدين والأخلاق.. أي دين وأي أخلاق تلك التى ستتأذي عند التعرض لقضية التحول الجنسي؟ والتى تختلف اختلافاً جوهرياً عن قضايا المثلية الجنسية والميول الجنسية بشكل عام؟!

الفيلم الذى اخرجه توم هوبر ويقوم ببطولته ادي ريدماين و أليسيا فيكاندير يحكي عن قصة تحول الرسام الدنماركي (اينار اندرياس) جنسياً ليصبح (ليلي الب) وهى واحدة من أول عمليات تغيير الجنس فى العالم، ومن أكثرها شهرة وإثارة للجدل بسبب تحويل القصة لرواية نالت نجاحاً كبيراً حتي تم تحويلها لفيلم نشاهده  اليوم فى دور العرض السينمائية.

ويأتي منع الفيلم فى قطر استجابة لهجوم شرس على مواقع التواصل الإجتماعي وخاصة موقع التغريدات القصيرة (تويتر) والذى تم تدشين حملة بعنوان #لا_لعرض_فيلم_الفتاة_الدنماركية والذى هاجم معظم المغردون فيه عرض الفيلم فى قطر، بينما حاول قلة من المستخدمين مهاجمة قرار منع عرض الفيلم وبيان أن فكرة  الفيلم عادية لا تستحق كل هذا الجدل.

سياسة المنع من العرض قد تكون مفهومة فى فترة الستينات والسبعينات، عندما كان إعلام الدولة –اي دولة- هو المسيطر والطاغي، ولا سبيل للشعب سوي ما تقدمه له الدولة من أخبار وأفلام وكافة المنتجات الثقافية من أعمال درامية أو كتب وروايات.. الخ

أما اليوم ومع انتشار وسائل التواصل الإجتماعي ولا سيما مواقع القرصنة التى تتيح تسريب أفلام السينما بجودة عالية أحيانا، تتحول قرارات المنع لقرارات واهية تصب أولاً وأخيراً فى مصلحة الفيلم أو الفكرة محل المنع! ، ولفت انتباهنا أحد التغريدات على موقع تويتر والتى كتب صاحبها فيها “بعد  المنع..جاري البحث” ويقصد بحديثه أن العديد من الذين عرفوا بقرار منع الفيلم من العرض سيبحثون عن نسخته الإلكترونية، وما أسهل أن يجدوها!

على الصعيد الفني ينافس الفيلم بقوة للحصول على لقب أفضل فيلم فى حفل توزيع جوائز الأوسكار لعام 2016، وينافس فيلم The Revenantالمأخوذ هو الأخر عن قصة حقيقية لصائد الفراء الأمريكي هيو جلاس الذى يتعرض  لهجوم قاتل من دب، لكنه ينجو بمعجزة ويعود للإنتقام من قتلة ابنه الوحيد.

يمتاز فيلم (الفتاة الدنماركية) بالموسيقي التصويرية المتميزة، والإسلوب الخاص فى التصوير والكادرات السينمائية المتميزة والتى عكست وعياً حقيقياً من المخرج توم هوبر بثقل الواجب الملقى على عاتقه بضرورة تقديم فيلم ينافس على أهم جائزة سينمائية فى العالم.

لكن عرض الفيلم في مصر تعرض للكثير من القطع الرقابى لبعض المشاهد التي قد تكون خادشة لحياء المشاهد، بينما سُمح بعرض الفيلم نفسه مع تنويه بأن الفيلم (للكبار فقط) نتيجة الموضوع الذى يناقشه والذى قد لا يهم المشاهدين الأقل من 18 عاما، لكننا لم نشهد أي إعتراض جماعي على عرض  الفيلم، بل على العكس سمعنا الكثير من الأصوات المرحبة والتى تناولت الفيلم بالنقد البناء والتناول لكافة جوانب العمل السينمائى، ولم تكتفى بمجرد المطالبة بالمصادرة والإنتصار الزائف لقيم المجتمع وفرض الرقابة الذاتية على طريقة تفكير البشر وتعاطيهم مع الفن والثقافة.

همسة أخيرة فى أذن القائمين على السينما فى (قطر).. غيروا طريقة تفكيركم فزمن المنع قد إنتهي والرقابة الصارمة المتحكمة الى زوال.. ولا عيب فى عرض الأفلام عن التحول الجنسي.. فهو مرض وليس تُهمة.. يرحمكم الله!

زر الذهاب إلى الأعلى