Unthinkable : عندما يفكر المشاهد فيما لا يمكن التفكير فيه!
المعيار الرئيس الذى نستعمله فى اختيار الأفلام التى نتعرض لها فى “التقرير”، هى قدرتها على خلق حالة من التفكير فى عقل المشاهد، الحالة التى اذا استمرت لما بعد تترات نهاية الفيلم، نستطيع عندها التعرض للفيلم بمزيد من التحليل والمتابعة، وفى حالة فيلم Unthinkable والذى قدمه المخرج Gregor Jordan عام 2010 يمكن القول ان الفيلم قادر على التلاعب بعقول مشاهديه، واخراجهم من منطقة التفكير الأمن لمساحات واسعة من التفكير، عندما تتلاشى المواقف التى يسهل الحكم عليها، وتبدأ مناطق الألوان ما بين الأسود والأبيض فى تصدر احتمالات التفكير.
-اسمي ستيفن ارثر ينجر
يبدأ الفيلم بمشهد افتتاحي للبطل Michael Sheen وهو يصور نفسه فى مكان مجهول بكاميرا غير احترافيه، تم التلاعب اخراجياً باسلوب الاضاءة ليظهر المشهد بالأبيض الباهت المقترب من الأصفر.
– أنا مواطن أمريكي
-لدي مطالب معينة
يبدأ “ستيفن” فى التلعثم.. ومن ثم يبدأ فى اعادة تصوير الفيديو الخاص به ليعطينا المزيد من المعلومات عنه
-بسم الله الرحمن الرحيم ورسوله محمد (ص)
-اسمي يوسف عطا محمد
-اسمي السابق ستيفن ارثر ينجر
ينتقل الفيلم بعد ذلك للمحققة (هيلين) او Carrie-Anne Moss والتى تعمل كعميله للاستخبارات الامريكية، وتعمل على التدقيق فى الملفات الأمنية للمواطنين الامريكيين ذوي الاصول العربية او الاسلامية.. ما علاقتها بالأحداث؟!
قبل ان نفهم ينتقل بنا الفيلم للعبقري Samuel L. Jackson او هنري.. والذى يعمل بشكل مستتر فى العديد من العمليات الاستخباراتية الامريكية، والتى لا تريد الولايات المتحده التورط فيها بشكل رسمي، انها تلك العمليات التى تشمل التعذيب واقتلاع الاعترافات من المتهمين باساليب غير انسانية، والتى لا يجب ان يظهر اسم الولايات المتحده فيها بشكل رسمي.
ننتقل من جديد الى (هيلين) حيث تتابع تفاصيل نشر التلفاز الامريكي لصورة (ستيفن ارثر) على خلفية اشتباكه مع احد رجال الشرطة.. تم تعميم صورته للبحث عنه فى اي مكان يطأه.. فقط لتكتشف هيلين ان الرجل بالفعل على قائمة مسئوليتها كمواطن امريكي له اصول اسلامية.
تتلقى (هيلين) اوامر سرية من العاصمة واشنطن، تقضى بالتحقيق مع اى شخص له اى صلة باي مشتبه به من اصول عربية او اسلامية.. وهنا نعرف الحقيقة.. ان (ارثر ينجر) قام بأخفاء ثلاثة قنابل نووية فى قلب الولايات المتحدة، واعلن انه لن يقوم بتعطيل القنابل او الكشف عن اماكنها الا قبل تنفيذ بعض المطالب الخاصة به. ومن هنا تبدأ الولايات المتحدة كلها فى نبش كل حجر قد يكون هذا الـ(ارثر) قد مر عليه يوماً..
فى خضم انشغالها بالتقصى عن المشتبه بهم، تتقاطع خيوط البحث عن (هنري)، والذى تكتشف وجود ملاحظه فى ملفه بضرورة عدم الاقتراب منه قبل الحصول على تصريح مسبق، ما يدفعها لارسال احد عملائها لتأمين العملاء الذين حاولوا القبض عليه على سبيل الخطأ… يؤكد هذا المشهد على ان المخابرات الامريكية ليست بالاحترافيه التى تبدو عليها فى افلام هوليود، وانهم هم الاخرين يرتكبون الاخطاء من أن لأخر.
نعرف هنا ان (هنري) او (اتش) كما يحب ان يناديه الاخرين، عميل متعاون مع المخابرات المركزية، وانه قادر على انتزاع المعلومات من (ارثر ينجر) فى حال القبض عليه.. ما يتركنا مع السؤال الأهم حتي الأن.. اين هو (ستيفن ارثر ينجر) الذى اثار ذعر الولايات المتحدة الأمريكية بالكامل؟!
(ينجر) محتجز بالفعل فى منشأة عسكرية غير رسمية فى مكان غير محدد، ينتقل اليه هيلن ورجالها و (اتش) والذين يطلب منهم التعاون لانتزاع اعتراف (ينجر) باماكن وجود القنابل النووية الثلاث والذين تم تسريبهم من روسيا لحساب (ينجر) والذى كان يعمل كاخصائى للسلاح النووي فى الفرقة (دلتا) الشهيرة، ما يؤهله علميا وعمليا لصناعة وذرع القنابل الثلاث.
يبدأ (اتش) فى مزاولة عمله على الفور، من خلال اقتحام الغرفة التى يتم تعذيب (ينجر) بها، والاعتداء على الظابط المسئول عن تعذيب (ينجر) فى محاولة لأجبار قوات الجيش على استعماله لتعذيب (ينجر) بعيدا عن اى مسائلات رسمية. لكن (هيلين) تستغل الفرصة وتحاول استجواب (ينجر) بالوسائل السلمية.
مع فشل كل الوسائل السلمية فى استجواب (ينجر)، تبدأ الاستعانة بخبرات (اتش) الواسعة فى هذا المجال، يصر على معاونة (هيلين) له اثناء اجراء التحقيق .. لكن مع بداية التحقيق باسلوب (اتش) الذى يبدأ بقطع جزء من أصبع (ينجر)، يتحول رجال الجيش المهيبين من قمة الجدية لمنتهي الهلع من اسلوب (اتش)، كما ان (هيلين) تنقلب عليه وتصر على الا تكون جزءا من التحقيق بهذا الاسلوب الغير قانوني او انساني.
يبدأ بعدها (اتش) فى اتباع اساليب اكثر اثارة للهلع.. يغطي رأس (ينجر) بكيس بلاستيكي ليخنقه ثم يصنع له فتحة صغيرة قبل ان يلقى مصرعه بثوان معدودة.
-كل مخاوفك.. كل كوابيسك.. ستصير حقيقة الأن!
هكذا يهمس (اتش) فى اذن (ينجر) وهو يستكمل تعذيبه مرة بعد الأخري.
تحاول (هيلين) التدخل لوقف عملية التعذيب التى تتم بصورة غير قانونية. تحاول التحدث مع رئيسها فينتهي الأمر خلال جملتين حواريتين من اهم الجمل الحوارية فى الفيلم
– هذا التعذيب الذى يتعرض له المتهم غير دستوري..
-هيلين.. اذا انفجرت القنابل الثلاث لن يكون هناك دستور!
بناء على هذا الحوار القصير تحاول هيلين تغيير استراتيجيتها فى التعامل مع (اتش)، وتبدأ فى العمل معه بالتناوب على استجواب (ينجر)، تحاول تذكيره بالقيم الاسلامية النبيلة، وتذكيره باولاده وزوجته الذين تم رفض سفرهم للسعودية، ما يعرضهم للموت فى حال انفجار القنابل النووية، الا انها تفشل فى انتزاع اعترافه باماكن وجود القنابل وتنسحب لتترك لـ(اتش) تجربة اساليبه الغير انسانية.
يمر الوقت بلا جدوي.. يصمد (ينجر) امام محاولات التعذيب الوحشية، ويرفض التعاون مع اساليب التحقيق السلمية.. يضغط الوقت على الجميع بلا توقف وتبدأ خيارات لم تكن مطروحة فى البداية فى اجبار الجميع على التعامل وفقا لها.
يتحول اتش لأنسان أخر عندما يقابل زوجته فى استراحته من تعذيب (ينجر)، نبدا فى استكشاف جانب انساني لم نكن نعلم عنه الكثير، وهنا يبدا الفيلم فى عرض اطروحته الاصلية : كم لونا يمكن ان نحصى بين الابيض النقى والاسود الداكن؟! وما القرار الذى سيتخذه المشاهد اذا كان عليه الاختيار بين امن وبقاء دولته وبين امن وسلامة احد المتهمين بالضلوع فى تفجيرات نووية؟ وما هى الاجراءات التى يمكن ان تمر تحت اعين واذن اكثر الدول اهتماماً بحقوق الانسان فى العالم اذا شرع احد الاشخاص فى تهديد امنها الشخصى؟!
كل هذه الاسئلة تتدافع فى ذهن المشاهد بداية من اللحظة الاولى فى الفيلم، لكن تسارع الاحداث ياخذنا لمشاهد الربع الاخير من الفيلم، والذى يدفع المشاهدين للتفكير بشكل اكثر جدية فى الاختيارات المطروحة امامهم، هذه الاختيارات التى قد تغير نظرة المشاهدين لانفسهم او تدفعهم دفعاً لاعادة التفكير فى شكل حياتهم المقبلة وقراراتهم التى يتخذونها فى حياتهم اليومية.
ان فيلم Unthinkable لا يكتفى بمجرد عرض الفكرة، بل يدفع المشاهدين دفعاً للتفكير فى تعبات احداث الفيلم على حياتهم الشخصية وقدراتهم على التكيف معها واتخاذ قرارات مماثلة فى حياتهم اليومية. لهذا السبب اخترنا ان نتعرض للفيلم ونهتم بالعرض النقدي له فى التقرير.