Finch : استفيد بكل لحظة في حياتك
معظم الكُتاب والمُخرجين، بيستغلوا المشاهد الافتتاحية في أفلامهم، علشان يعرفونا الأحداث اللي أدت للقصة الأساسية اللي بيتناولها الفيلم. سواء من خلال استعراض مشاهد سريعة، أو من خلال التعليق الصوتي Voice over. وده بنشوفه كتير خصوصاً في أفلام نهاية العالم أو الـ (ديستوبيا) علشان يحصل تمهيد جيد للمشاهدين.
لكن في حالة Finch. فيلم الخيال العلمي اللي بيقوم ببطولته توم هانكس وبيتعرض حصريا على منصة Apple TV Plus مش بنشوف أي تمهيد، يوضح لنا ازاي انتهت الحياة على كوكب الأرض، ومش بنعرف القصة بالكامل غير في النصف ساعة الأخيرة تقريبًا من الأحداث.
رهان ذكي وخطير في نفس الوقت، قرر فيه المخرج ماجويل سابوتشينك يراهن على أنه هايقدر يقدم أحداث تشدنا كمشاهدين أننا نستحمل عدم فهم ١٠٠٪ من الأحداث لحد الوقت المتأخر ده. الرهان ده لو ما كسبش. بيخلي المشاهد مش مستحمل يتفرج على دقيقة كمان بدون ما يفهم. وممكن يؤدي لفشل الفيلم تماماً.
لكن الحقيقة أننا مع Finch حسينا أن الرهان كسبان جدا. وأن الفيلم اتعمل بحرفية رائعة أجبرتنا على المتابعة، ومحاولة البحث عن أجوبة بين سطور الأحداث. ودي حيلة ذكية، المبدأ فيها إنك ما تعتبرش المشاهد طفل بتحكي له الأحداث بالتفصيل، وتسيبه يدور بنفسه ويركز مع كل مشهد.
Finch بيحكي عن كارثة بتدمر الحياة على الأرض، أو على أقل تقدير، بتغيرها بنسبة ١٠٠٪. الكارثة ما قتلتش كل البشر، لكنها خلتهم يتقاتلوا على الموارد، على حسب جملة بيقولها توم هانكس في حوار الفيلم، وده كان فيه اسقاط رائع على فكرة إن أكبر مشاكلنا بتيجي من تصرفاتنا الغلط قبل ما تكون من الكوارث اللي بتحصل غصب عنا.
من هنا بنبدأ نتعرف على شخصية Finch. الشخصية الرئيسية في الفيلم، وهو واحد من ناس قليلة فضلت على قيد الحياة بعد الكارثة، بس واضح أن تأثيرها عليه كان شبه قاتل. علشان كده بيبدأ يبتكر إنسان ألي علشان ياخد باله من الكلب بتاعه لو Finch مات.
من هنا بتتضح الخدعة التانية في الفيلم. إحنا هنا مش قدام فيلم خيال علمي عن محاولة النجاة من كارثة. إحنا بنشوف فيلم عن الصداقة، وتأثيرها على الناس، والتضحيات اللي ممكن نعملها علشان أصحابنا. والغريب أن محور الصداقة هنا مش الصداقة بين Finch والكلب بتاعه. لكن كمان بينه وبين الانسان الألي (جيف). واللي اتجسدت على الشاشة باحترافية خلتنا مش قادرين نمسك دموعنا في بعض المشاهد.
ولما ننسجم في الأحداث ونحس أن فيلم Finch مش هايقول رسايل أكتر من اللي قالها، بيرمي الفيلم لينا الكارت الأخير، لما بنشوف ندم Finch على أنه ماراحش الأماكن اللي كان عاوز يروحها، وتعلل بالشغل والمسئولية وأنه مش وقته. لحد ما فات الأوان. دي رسالة بتقول لنا أننا لازم نستفيد بكل لحظة في حياتنا، قبل ما يفوت الوقت.
أحلى مافي Finch – بعد تمثيل توم هانكس الرائع طبعا- هي أن كل رسايل الفيلم بنفهمها من السياق، مش بتتقال بشكل مباشر وغبي، حتى الرسالة المهمة اللي بتحذر من إهمالنا للبيئة وابتعادنا عن مصادر الطاقة النضيفة، كل الكلام ده محطوط في إطار درامي مؤثر جدا وشبه مش ملحوظ. وهي دي أحلى حاجه في السينما.. الرسالة الخفية.
أخيرا.. ممكن تشوف Finch على أنه فيلم Cast Away لكن في عالم حصلت فيه كارثة طبيعية. وممكن تشوفه فيلم عن الصداقة بين إنسان وكلب وروبوت! وممكن تشوفه فيلم عن الفرص الضايعة في حياة البشر.. الفيلم قابل للمشاهدة على أي صيغة. لكن في كل الأحوال ومهما كان استقبالك للفيلم.. هاتنبسط.. وتتأثر… وتتفاعل مع الأحداث من أول مشهد للنهاية.