مقالات كايرو 360

البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو مراجعة بدون حرق

قراءة سهلة

واحنا بنحجز تذكرة السينما لعرض فيلم (البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو)، لاحظنا اختلاف مواعيد عرض الفيلم المعلنة على أفيش الفيلم عن المواعيد الفعلية، ولما سألنا موظف الحجز عن السبب، قال لنا إن نجاح الفيلم أجبرهم على تخصيص قاعات أكتر ومواعيد أكتر للعرض. وده مش مستغرب على فيلم فيه الكم ده من المشاعر الإنسانية الصادقة، مع المستوى ده من التنفيذ سواء من حيث الإخراج أو التمثيل، وطبعا القصة والسيناريو.

فيلم البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو بيورينا قصة حسن (عصام عمر)، الشاب المصري اللي بيعيش حياة مادية صعبة مع والدته ألطاف (سما إبراهيم)، بعد غياب الأب بشكل مفاجئ، خاصة مع محاولة سمكري سيارات اسمه كارم (أحمد بهاء) الاستيلاء على البيت اللي عايشين فيه علشان يوسع الورشة بتاعتة، مستعملا في رحلته للسيطرة على البيت، كل الوسائل المجرمة والغير قانونية لإخراج حسن وأمه من البيت. كل ده وحسن ماعندوش في حياته حاجه تستحق يعيش علشانها غير الكلب رامبو، كلب بلدي ذكي، بيعيش مع الاسرة حياتها اليومية وبيشاركهم الأكل والظروف المعيشية الصعبة.

 

بالشكل ده بيورطنا المؤلفين محمد الحسيني و خالد منصور في الأحداث من المشهد الأول، بدون تضييع وقت في أحداث مالهاش لزوم، وبدون الوقوع في فخ المط والتطويل.

 

أثناء ممارسة كارم لضغوطه على حسن، بيحاول يضربه، وهنا بيتدخل الكلب رامبو للدفاع عن صاحبه، ويعض كارم في منطقة حساسة من جسمة، ومن هنا بيتحول الصراع بين كارم والأسرة، من إنه صراع على البيت، لصراع على الانتقام من الكلب، اللي عمل عقدة لكارم بتمس مفهومه المشوة عن الرجولة.

 

مع استحالة دخول حسن بجسمه الضعيف في مواجهة مباشرة مع كارم، وتصميم الأخير على الانتقام من رامبو، بيبدأ حسن رحلة البحث عن منفذ لصاحب حياته الوحيد، ومن هنا بنبدأ نتعرف أكتر على الظروف المحيطة بحسن، سواء في شغله كفرد أمن في مكان راقي، بيحاول يخلي رامبو يبات فيه، وبين حبيبته أسماء (ركين سعد) اللي بنشوف انها ماقدرتش تصمد أمام ظروف حسن الصعبة وتمت خطبتها لشخص تاني. لكن علاقتها العاطفية بحسن مستمرة من بين سطور القصة.

 

أداء عصام عمر التمثيلي كان أكتر من رائع، واختياره للدور نفسه كان اختيار موفق جدا، شاب مصري حقيقي وتقليدي سواء من ملامحه أو بنيته الجسدية، وهو ده بالظبط المناسب للدور ده. والحقيقة أن نجاح عصام في الدور مش وليد اللحظة، عصام موهبة فذة وحقيقية، لمع في دوره في مسلسل بالطو سنة ٢٠٢٣ وسبق وقدم دور مختلف في مسلسل بطن الحوت في نفس السنة، ومانقدرش ننسى دوره في مسلسل منورة بأهلها سنة ٢٠٢٢. كلها أدوار بتقول اننا أمام موهوب حقيقي، ومدقق في اختيار أدواره، وبيعامل موهبته بهدوء وبدون استغلال تجاري فج، ولو استمر عصام على نفس النهج اللي ماشي عليه، فا احنا قدام ممثل مصري محترف وقادر على استغلال أدواته كممثل للحد الأقصى، ومش هاننسى الماستر سين العظيم في الفيلم لما كان بيحكي عن علاقته بأبوه، والكاميرا بتتحول بهدوء من لقطة واسعة الى لقطة ضيقة للتركيز على ملامحه وارتجاف وشة وتعبيرات عينه. مشهد واحد بيعرفنا إننا قدام ممثل من العيار التقيل.

 

بالحديث عن الكاميرا وحركتها، المخرج خالد منصور عرف يلعب بحرفية شديدة في فيلمه الطويل الأول، على انه يوصل كافة الرسائل اللي عايز يوصلها كمخرج ومشارك في التأليف، بدون ما يقع في فخ استعراض العضلات الإخراجية والاهتمام بجماليات الصورة وحرفية الإخراج على حساب القصة، ودي غلطة شائعة بيقع فيها المخرجين في تجاربهم الأولى، لإن بيكون عندهم رغبة في تقديم نفسهم للمشاهدين وكأنهم بيقولوا لهم: (شوفوا احنا نقدر نعمل ليه.. بصوا على امكانياتي كمخرج). لكن الحقيقة أن منصور كان فاهم إن المشاهد العادي اهتمامه الأول بيكون بالقصة وتطور الأحداث على الشاشة قبل أي حاجه.

 

لكن خالد ماقدرش يمنع نفسه من تحويل كل كادر لقصة قايمة بذاتها. واستغلال رمزيات الكتابة على هدوم البطل، والكتابة على حائط المسجد، وحتى أبسط المشاهد اللي كلها كان فيها دلالات عبقرية، مع توظيف رائع للإضاءة زي تغيرها على وجه عصام عمر الى الأحمر الدموي وهو منفعل أثناء مكالمته مع أمه مثلا، إضاءة تم إيجاد حل واقعي لها من خلال جعلها منعكسة من كشاف السيارة في محطة البنزين، علشان ماتباقش مُقحمة على القصة، ودي لقطة واحدة من بين كذا لقطة تورينا اننا أمام مخرج مختلف، انتماءه الأول للقصة وإن كان مهتم ضمنيا بجماليات المشهد والرسمة الحلوة للكادر. كنا بس محتاجين بعض الإضاءة الأقوى شوية في بعض المشاهد، وفاهمين الرغبة في اللعب بمشاعر الجمهور باستخدام الإضاءة الخافتة في كتير من مشاهد الفيلم، لكن أحيانا كنا بنجد صعوبة في الفرجة على بعض المشاهد بسبب ضعف الإضاءة.

 

لكن النجاح الحقيقي لكل صناع الفيلم، هو قدرتهم على تطويع وتوظيف الكلب رامبو في الأحداث، والحقيقة إن الأفلام العربية اللي بتتكلم عن علاقة الإنسان بالحيوان مش كتير، والبحث عن منفذ لخروج السيد رامبو عرف يوازن بين تقديم علاقة حقيقية وصادقة، وبين الاستعراض بقدرتهم على تدريب الكلب وتحويله لبطل من أبطال الفيلم بلا مبالغة. وزي ما عرفنا من الكواليس، تم الاستعانة بكلبين لتخفيف الضغط عليهم في التصوير، وتمت معاملة رامبو كواحد من الأبطال لدرجة انه لما ظهر مع منى الشاذلي، ظهر بهدوم مُهندمة ومظهر يليق ببطل حقيقي، والأروع طبعا الاهتمام بعدم تعرضه لأى أذى أثناء التصوير، حتى في المشاهد اللي المفترض انه تعرض فيها لأذى في الأحداث، لكن تم التعامل معاها اخراجيا ومونتاجيا بعظمة علشان توصل لنا الإحساس بدون ما يتعرض للأذى الفعلي.

 

لا يمكن نخلي كراهيتنا لشخصية كارم على الشاشة، ننسى أن وراها فنان متميز هو أحمد بهاء أو (بوب)، واللي أدى الدور بشكل رائع كشرير بيمثل الخطر المحدق على الشخصيات اللي بنحبها، كان نفسنا بس يتم تسليط الضوء على الشخصية بشكل أفضل في مرحلة الكتابة، بحيث نشوف جوانب مختلفة لشخصيته غير إنه مجرم غشيم مش بيحل أي مشكلة في حياته غير بالعنف، وده حصل جزئياً لكن بشكل عام تم تقديمه كشخصية شريرة من البداية للنهاية.

 

ركين سعيد في شخصية أسماء قدمت أداء جيد، ملامحها المصرية وحجابها البسيط – رغم انها أردنية بالأساس- خلوها شخص محبب لنا في كل ظهور لها على الشاشة، لكن برضو كنا نتوقع (تخديم) أفضل من كده في السيناريو عليها، ولو احنا اللي كنا بنكتب الفيلم كنا هانخلي لها مشهد مصارحة مع حسن بحقيقة مشاعر كل واحد منهم ناحية التاني والأسباب اللي خلتها تسيب حسن، لكن في نفس الوقت محترمين رغبة صناع العمل في انهم يخلونا نستنتج الأسباب بنفسنا بدل من الكلام عنها بشكل مباشر.

 

فيلم البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو، إضافة ممتازة للسينما العربية، فيلم بيعيد الربط بين سينما المهرجانات والجوائز، وبين قدرة النوعية دي من الأفلام على جذب المشاهد العادي، وتقديم معادلة سينمائية رابحة، تجمع بين النجاح الجماهيري والنقدي في نفس الوقت. معادلة صعبة لكن مش مستحيلة، طول ما عندنا النوعية دي من الكوادر الفنية.

زر الذهاب إلى الأعلى