مقالات التقرير

Run All Night : ليلة باردة فى الجحيم

قراءة سهلة

لن يكون هناك مخرجاً أمناً للممثل الهوليودي (ليام نيسون) من دائرة تكرار أفكار أفلامه، الا اذا استطاع أن يقدم نفس الشخصيات التى سبق وقدمها على الشاشة، من خلال أثواب جديدة وطرق جديدة فى رسم الشخصيات، تتناسب وقدراته المتميزة على أداء أدواره.

تكلمنا بأسهاب عن (نيسون) من قبل، ويمكن مراجعة هذا التقرير عن فيلموجرافيا الفنان الذى أستطاع حفر مكانته فى سينما لا ترحم وأستوديوهات لا تهتم سوي بالربح، لكننا اليوم نعيد زيارة عالم (نيسون) من جديد بالتزامن مع اصدار فيلمه الأحدث (ليلة الهروب المستمر) أو Run All Night والذى أخرجه (جوم كوليت سيرا) Jaume Collet-Serra

يعتبر الفيلم التعاون الثالث بين المخرج و (ليام نيسون)، بعد أفلام متميزة مثل فيلمUnknown  فى 2011 والذى تم اقتباسه فى عمل مصري شهير عرض فى مصر فى رمضان بعنوان (أسم مؤقت)، والذى يحكي عن مجرم دولى يفقد الذاكرة فى منتصف عمل ارهابى كبير، فقط ليعود لفطرته الأولى ويكتشف خطأ ما كان يفعله.

وبعد نجاح الفيلم تعاون الاثنان مجددا فى فيلم جديد هو Non-Stop  فى 2014 ويحكي عن محاولات ظابط فيدرالى التصدي لمحاولة اختطاف طائرة فى الجو، مع طلب فدية باهظة والا قام الخاطفين بتفجير الطائرة بركابها.

فى فيلمه الجديد يظهر (ليام نيسون) من خلال شخصية (جيمي كونلون)، المجرم السابق الخطير، والذى يعاني اليوم من أثار ماضيه السىء، حيث أنه يعاني من الكوابيس التى يري فيها هؤلاء الذين قتلهم مسبقاً، كما أن ظباط الشرطة يطاردونه بشكل غير مباشر للحصول على القائمة الكاملة بأسماء هؤلاء الذين قتلهم ولا يعرفون عنهم شيئا، ما أكسبه اسم الشهرة (حفار القبور).

يعيش (جيمي) سكيرا وحيداً لدي صديقه الوحيد المتبقي (شون ماجواير) الذى قام بدوره Ed Harris فى دور متميز كعادته.

على صعيد أخر ينتقل الفيلم ليعرض قصة مايك كونلن –قام بدوره Joel Kinnaman – ابن القاتل الشهير، والذى يحاول الاستمرار فى حياته مع زوجته واطفاله، بعيداً عن ماضى والده السىء، مع محاولته الدائمة كسب قوت يومه من خلال بعض الاعمال التى تدر عليه ربحا اضافياً، لم يكن يعلم ان هذا الربح سيتسبب فى تغيير حياته الى الأبد

يقود القدر (مايك) ليشهد على جريمة قتل بشعة، بطلها ابن (شون ماجواير)، وعندما يحاول الأخير قتله، يضطر (جيمي) ان يقوم بقتله، ما يحول الصداقة المستمرة بين (ماجواير) و (جيمي) لحرب شرسة، وقتال شوارع يستمر على مدار ليلة كاملة من العنف المستعر.

يقوم الفيلم بالكامل على فكرة ان كل شىء المدينة فاسد.. بداية من الجريمة المنظمة والغير منظمة والتى تضرب اركان كل شىء، ونهاية بالشرطة الفاسدة التى يمكن شراء رجالها وخدماتها لمن يدفع أكثر، وعلى الرغم من حياة (مايك) طوال الوقت فى المدينة، الا انه لايزال مؤمناً بفكرة العدالة والنظام وضرورة ان يسير كل شىء فى المجتمع وفقا للقانون والعدالة، لكن الاب (جيمي) يري أن العكس هو ما يحدث، نتيجة خبرته الواسعة فى الحياة وقدرته الغير مسبوقة على معرفة خبايا مجتمعه.

يستطيع الأب أن يساعد ابنه على الهرب من قبضة رجال الشرطة المرتشين، كانوا يقتادونه للقسم او حتي لمكان وجود (شون ماجواير) الذى أقسم على قتل الابن أمام أعين الأب.. ثم قتل الاب بعد مشاهدة نظرة الخواء والذل في عينيه. يعقد (جيمي) اتفاقا مع ولده يقوم بمقتضاه بالهرب معه لمدة ليلة واحدة كاملة. وفى المقابل سيختفى من حياته بعدها – كما يريد – للأبد.

تبدأ الأحداث فى التطور على هذا النحو.. (شون) ورجاله يطاردون (جيمي) و ابنه، بالاضافة لقوات الشرطة الفاسدة المدعومة بمصلحتها الخاصة مع (شون) كرجل عصابات مخضرم، وقوات الشرطة الشريفة المدعومة برغبتها فى الامساك بمجرم قديم مثل (جيمي)، ومجرم حديث متورط فى جريمة قتل وهروب من العدالة هو (مايك).

تميز الفيلم بمشاهد المطاردات المتميزة، ومشاهد الحركة التى حرص المخرج على توظيفها فى أحداث الفيلم بشكل جيد، على الرغم من تحول الموضوع لما يشبه جر الأحداث للمنطقة التى يريدها المؤلف تحديداً، ولى عنق المنطق ليتناسب مع النهاية (العادلة) التى يصر الفيلم على الوصول لها مع استمرار الأحداث فى التدفق.

بدا لنا جلياً رغبة الفيلم وصناعه فى الاستفادة من النجاح الكبير الذى حققته سلسلة افلام Taken والتى قام ببطولتها (ليم نيسون) فى منتصف مشواره الفني، السلسلة تحكي عن محاولة اب العثور على ابنته التى تم اختطافها على يد مجموعة من العصابات فى فرنسا، ويستغل فيلمنا اليوم فكرة العلاقة بين الاب والابن لاعادة تقديم الفيلم بشكل يخاطب مشاعر الجمهور انطلاقاً من هذه الفكرة.

بدا (نيسون) فى احداث الفيلم كرجل سكير، مرهق، محمل باعباء  جسيمة، يطارده ماضى اسود لم يندم فى حياته مثلما ندم عليه قط، ويظهر هذا بوضوح فى المشهد الذى يمنع ابنه من قتل احد الرجال

“اياك أن تقتل أحداً يا بني. ستندم على هذا طوال عمرك”

بهذه الجملة المقتضبة يصارح (نيسون) ابنه بندمه الحقيقي على لقبه فى عالم العصابات (حفار القبور).

اد هاريس، النجم الهوليودي المتميز، قدم واحدا من افضل ادواره على الاطلاق، وهو النجم ذو الاسم الامع فى عالم السينما، وصاحب اعمال وادوار لا تنسى مثل دوره فى فيلم (الصخرة) The Rock  فى دور الجنرال هاميل الذى يحاول ابتزاز حكومة الولايات المتحدة من خلال احتجاز الرهائن فى سجن الكاتراز، او دوره فى فيلم Pain & Gain  كمحقق خاص يشترك فى التحقيق عن قضية ذات طبيعة خاصة ومختلفة، وغيرها من الادوار المتميزة.

فى أحدث أفلامه يستغل (هاريس) ملامح وجهه الغامضة، وشعره الأبيض المتناثر بندرة على رأسه  ليعكس صورة المجرم المخضرم، وزعيم العصابة المصمم على الانتقام، وعلى الرغم من تقدمه فى العمر، الا انه استطاع ان يقدم الدور على أكمل وجه.

سيطر الليل على الموقف فيما يتعلق بزمن تصوير الفيلم، ومع ظهور المشاهد الصباحية فى نهاية الأحداث شعرنا ببعض الأنفراجة، مع ظهور الشمس فى الأحداث، ومع حل المعضلة الاساسية فى الاحداث، وهى النقطة التى ينتهي عندها الفيلم.. وينتهي معها تقريرنا عن Run All the Night .

زر الذهاب إلى الأعلى