Survivor .. عندما تأكل المخابرات الأمريكية أبنائها!
على الرغم من سيطرة هوليود على مقدرات الأمور فيما يتعلق بأفلام الجاسوسية والعمليات الخاصة، وأفلام الفرق الاستخباراتية التى تقوم بالعديد من العمليات السرية خلف خطوط العدو، الا ان الصفعة التى قدمتها المملكة المتحدة ببرود يتناسب مع برود طقس (لندن) فى ليالى الشتاء القارص، من خلال تقديم شخصة العميل السري (جيمس بوند) الذى تحول من شخصية روائية –كتبها ظابط استخباراتي لا يقل عن بوند جنونا هو ايان فليمنج- لظابط استخبارات بريطاني لسلسلة من الأفلام عالية الأنتاج التى لاقت استحسان النقاد والجمهور على حد سواء منذ فترة طويلة.
فرضت شخصية العميل 007 نفسها على (هوليود) فما كان منها الا ان اعادت احياء الشخصية واضفت عليها العديد من الصفات الاسطورية والبذخ الانتاجي الهوليودي المعروف لتتحول الشخصية خلال سنوات لاسطورة فى عالم الرواية والسينما على حد سواء. موضوعنا هنا ليس عن بوند، لكن عن فيلم يحاول الغوص فى اعماق عوالم المخابرات السرية، من خلال احداث تدور على الاراضى البريطانية، ومن بطولة ممثل قام بتقديم شخصية (بوند) من قبل على الشاشة.
يبدأ فيلم Survivor بمشاهد افتتاحية لعميلة الاستخبارات الامريكية (كيت ابوت) او Milla Jovovich وقد انتقلت مؤخرا كمنتدبة من المخابرات الامريكية للعمل على الارض البريطانية، وتحديداً فى أحد المكاتب التابعة للسفارة الأمريكية، بهدف اجراء التحريات عن الخلفيات الدينية والثقافة والاجتماعية التى ياتي منها المهاجرين للأراضى الأمريكية.
انتهت الحرب الباردة منذ زمن بعيد، لكن الحرب السينمائية بين الولايات المتحده وبريطانيا لم تتوقف، ففى احداث الفيلم يتم اظهار ظباط الجوازات وظباط المخابرات البريطانية فى صورة الموظفين البيروقراطيين الذين لا يجيدون اتمام عملهم، بل عند مرحلة ما من الفيلم يتم اظهارهم كعملاء متواطئين مع ارهابيين –من خلفيات اسلامية كالعادة- فى محاولة تسهيل عبورهم الى الولايات المتحدة لتنفيذ عمليات ارهابية تودي بحياة الأف –او حتي الملايين- من ابناء الشعب الامريكي المسالم!
وفيما يبدو ان قرابة الخمسة عشرة عاما قد مرت على الولايات المتحدة بعد احداث 11 سبتمبر الشهيرة والاليمة، الا ان وقع الصدمة التى صدم بها المجتمع الامريكي فى دوائرة الاكثر عمومية الممثلة فى الشعب الامريكي نفسه، والدوائر الخاصة الممثلة فى المجتمع الفني ممثلا فى هوليود بمنتجيها الذى ينتمي اغلبهم لطائفة اليهود الاغنياء او حتي الدوائر الاكثر خصوصية الممثلة فى المجتمع الاستخباراتي والامني الذى ظن –قبل سبتمبر2011- بقدرته الامتناهية على استقراء الاحداث قبل حدوثها ففوجيء بحفنة من الأرهابيين استطاعوا صفع الجميع على مؤخرة رؤوسهم.. وفى عقر دارهم! هذا الفيلم يعيد استحضار روح (سبتمبر) مجدداً، بل ان العملية يتم ذكرها تحديدا فى سياق الفيلم.
تبدأ المحترفة (كيت) فى ملاحظة التساهل الأمريكي فى السماح لعدد من المشتبه بهم فى دخول الولايات المتحده، برعاية بريطانية تصل لحد التواطوء الصريح، فيقوم ارهابى محترف مجهول الهوية يدعي (ناش) او (صانع الساعات) كما يتم الرمز له بالاسم الكودي وهو الفنان Pierce Brosnan الذى يبدو انه لم يخرج بعد من عباءة العميل الاستخباراتي جيمس بوند، والذى قدم شخصيته فى افلام GoldenEye المنتج عام 1995 و Tomorrow Never Dies عام 1997 واخيرا Die Another Day فى 2002 فى تجسيد نرى انه الاضعف فى مسيرة (بوند) الحافلة.
يستعرض الفيلم بعد ذلك محاولة الخلاص من عدد من الموظفين الامريكيين العاملين فى السفارة البريطانية وعلى رأسهم (كيت)، التى يتم استهدافها من خلال تفجير قنبلة فى مطعم يجتمع به الموظفين بعد ساعات العمل للاحتفال بعيد ميلاد احد زملائهم، يُقتل كل اصدقاء (كيت) فى التفجير الذى يخطط له (صانع الساعات) بدم بارد بينما تنجو (كيت) بصدفة نادرة عندما تغادر المطعم فى اللحظات الاخيرة قبل التفجير لشراء هدية عيد الميلاد!
تدور احداث الفيلم بعد ذلك فى اطار من التشويق فى محاولة (ناش) استهداف (كيت) واتمام عمله، بينما تغوص عميلة المخابرات الامريكية فى شوارع (لندن) فى محاولة مزدوجة للهرب من استهداف من كان من قبل هدفها الأول، وفى محاولة ثانية لكشف الخائن داخل الاستخبارات البريطانية، الأمر الذى يتحول فى الربع الاخير من الفيلم المشوق لمحاولة اخيرة لمنع عملية ارهابية ضخمة من استهداف المواطنين الامريكيين على ارضهم مجدداً كأحداث سبتمبر، وان كانت العملية التى عرضها الفيلم كانت اخطر بشكل تتضائل امامه عملية (سبتمبر) كثيراً
لا يفوت الفيلم الفرصة لدفع المشاهد للقلق للحد الاقصى على حياة (كيت) بعد تورطها فى العملية، الامر الذى يدعو المخابرات الامريكية نفسها للتشكيك فى انتماء (كيت) بشكل يعكس كيف تأكل المخابرات الامريكية اولادها انفسهم عند تورطهم فى عمليات خارج حدود الوطن. ان ضبابية المشهد فى (لندن) التى تعرضت لعميلة ارهابية تستهدف موظفى السفارة الامريكية دفعت حكومة الولايات المتحدة للشك فى الجميع بلا استثناء، ووضع (كيت) كمشبته به اول واخير فى واقعة التفجير، وكأن ذنبها الوحيد هو نجاتها من التفجير الذى استهدفها بالمقام الأول!
لا يفوت الفيلم اظهار الشخصيات العربية او ذات الخلفيات الاسلامية بموضع المشتبه بهم الى ان يثبت العكس –وهو مالايثبت فى الفيلم- وهي السقطة التى وقع فيها المخرج James McTeigue على الرغم من اسهامه من قبل فى فيلم اسطورى هو V for Vendetta وسلسلة افلام The matrix الشهيرة التى قدم فيها The Matrix كمساعد مخرج اول عام 1999 ثم The Matrix Reloaded فى 2003 و The Matrix Revolutions فى نفس العام!
بقى ان نقول انه قد تم تصوير مشاهد نيويورك التى تظهر فى نهاية الفيلم فى لندن! مع اعطاء الايحاء بان تصويرها تم على الاراضى الامريكية، بينما يعد الفيلم التعاون الثاني بين ديلان ماكديرموت وانجيلا باسيت بعد فيلم Olympus Has Fallen. وقدرت ميزانية الفيلم بحوالى 20 مليون دولار امريكي.