The Hunger Games : لعبة الجوع والثورة.
مع تغير الأحداث السياسية والاجتماعية في المنطقة العربية، ومع رياح الربيع العربي التي ضربت الشرق الأوسط، المنطقة الأكثر التهابا وسخونة حاليا، اكتسبت سلسلة افلام (العاب الجوع) رونقا مضاعفا، وتسربت معاني الثورة التي تحملها السلسلة بجلاء على اختلاف اجزائها، لأنوف الملايين عبر قاعات السينما. اصبح من الضرورة أن نقدم عبر (التقرير) اعادة مشاهدة للسلسلة الأشهر، فى محاولة لدراسة الأفكار التي يسربها الفيلم، والرموز التي يحملها الفيلم عبر مشاهده المختلفة. تلك السلسلة التى نتوقع لها أن تحصد مزيدا من النجاح فى ظل الأوضاع السياسية الراهنة.
يبدأ الفيلم بحكاية السياق العام للأحداث. الهيكل العظمي الذى ستكسوه المؤلفة (سوزان كولينز) لحما على مدار الأحداث. نعرف جميعا قصة (الكابيتول)، الدولة العظيمة المهيمنة على مجموعة من المقاطعات، المقاطعات التى حاول بعضها تنظيم محاولة للثورة على (الكابيول)، الثورة التى كان قوامها –كعادة الثورات- المطالبة بحياة كريمة، وبعدالة توزيع الثروة، وبالحرية السياسية والاجتماعية.
فشلت الثورة –كما تفشل الثورات عادة- فما كان من (الكابيتول) الا معاقبة المقاطعات المتمردة، سيتم اختيار متسابقين اثنين، ذكر وأنثى، من كل مقاطعة، للمشاركة فيما يعرف بـ(ألعاب الجوع) الطقس الذى يشبه كثيرا طقوس القبائل البدائية للتضحية بأفضل شبابها كوقود لنيل رضا الألهه، تخيم أجواء الرعب على شباب كل مقاطعة قبل عملية الاختيار، فالمختارين كثيرون، والفائز وحيد، واحتمالات الموت تزيد على احتمالات النجاة بنسب مخيفة.
نتعرف مع بداية أحداث الفيلم بالشابة (كاتنيس افردين)، هذه الاجابة على سؤال (من)، والأجابة على سؤال (متي) يمكننا الاجابة عنها بـ (المستقبل القريب)، والسؤال (اين) يمكن الاجابه عنه بـ: واحدة من المقاطعات المغضوب عليها. يجيب المخرج (جارى روس) عن هذه الاجوبة بسرعة وتلقائية، ليتركنا مع سؤال (ماذا) لتجيب أحداث الفيلم بانسيابية عنه
(كاتنيس) الفتاة الشابة، لا تحلم سوي بمستقبل أمن وحياة مستقرة، فى زمن لا يعرف الأمن ولا يعترف بالاستقرار، انها الحياة تحت سيطرة (الكابيتول) التى لا ترحم، والتي تجعل لقيمات الخبز التى يبادلها (غايل) صديق (كاتنيس) من قوات حفظ السلام التابعة للكابيتول، اشبه بالحلم المنتظر. انه حال المقاطعات الواقعة تحت رحمة الكابيتول المستغل، الحال الذى يذكرنا بالشعوب الواقعة تحت استغلال الحكومات القمعية.
تضطر (كاتنيس) للرحيل عن الغابة حيث كانت تحاول اصطياد غزالة للحصول على غذاء أصبح الحصول عليه صعبا، تغادر (كاتنيٍس) الغابة لحضور الاجتماع الاجباري، حيث يقوم الكابيوتل باختيار فتي وفتاة من المقاطعة للمشاركة فى الالعاب.
مع سير عمليات الاختيار، يقع الاختيار على (بريمروز) شقيقة (كاتنيس) للمشاركة فى الالعاب، جميعنا نعلم أن الصغيرة لن تصمد دقائق معدودة فى لعبة الحياة والموت، تضطر (كاتنيس) للتطوع بديلا عن أختها ، ويتم اختيار (بيتا ميلارك) من الفتيان للمشاركة مع (كاتنيس) فى الالعاب.
لا تتذكر (كاتنيس) عن (ميلارك) سوي موقفا يتيما، عندما كان يطعم الخنازير فى ليلة شتوية، والقى اليها بقطعة من الخبز تحت وابل من الأمطار المحملة بالطين، تتذكر الموقف بينما ينقلهما القطار عبر المقاطعات فى رحلة نحو (الكابيتول)، حيث ستبدا الألعاب الدموية، الألعاب التى سبقها مشاهد وداع (كاتنيس) لأسرتها، ومناشدة شقيقتها الصغرى لها للحصول على قوس، فـ (كاتنيس) ماهرة فى التصويب بالقوس، ولعل ذلك السلاح يكون منقذا لها من القتل.
يتعرف الثنائى فى القطار على (هايمتش)، الناجي السابق من العاب الجوع، غريب الطباع حاد القسمات، المخمور طوال الوقت، من المفترض ان يكون مرشدهما للنجاة من العاب الجوع، لكن هايمتش يثبت فى كل مشهد أنه بلا نفع، وان كل اهتمامه بالطعام والشراب والكحول، تقابله (كاتنيس) بفظاظة تتناسب مع اسلوبه، ويبدأ فصل جديد من الأحداث.
نعرف من خلال الاحداث، ان معظم حالات الموت فى (العاب الجوع)، تكون بسبب نقص الغذاء، الأمراض، البرد، وغيرها من الاسباب المعيشية، بينما يأتي هجوم باقى المتنافسين فى المرتبة الثانية، لذلك تلعب ابسط الادوات التي يضعها (الكابيتول) فى طريق المتنافسين دورا حيويا للبقاء على قيد الحياة، والأدوات تُرسل للاعبين من خلال (الرعاة)، والرعاة يمكن حصد اعجابهم من خلال الظهور العلني للمتسابقين، لذلك يتم الاتفاق على التلاعب بمشاعر الرعاة .. انه الاعلام يا سادة، الاعلام الذى ينبهر بأسلوب دخول (كاتنيس) و (بيتا) للألعاب، شعلة النيران التي تم ضمها لملابس الثنائى، حركت مشاعر الجميع، وقصة الحب التي تم اختلاقها بينهما زادت فى تعاطف الجميع معهما. ليبدأ الجزء العملى من الاحداث.
لا يكفى تعاطف الرعاة فقط للبقاء على قيد الحياة فى الألعاب. يجب أيضا حصد المزيد من الخبرات، والتعرف على مهارات المتنافسين، هذا الفريق المخضرم فى المشاركة فى الالعاب، يتخذون القتل حرفة، واراقة الدم هوايتهم، منهم من يتمتع بقوة فائقة لكن عقله لا يسير على مايرام، والأخري تتمتع بذكاء فطرى وقدرة على التخفى، مقابل نقص قوتها الجسدية، تبدا (كاتنيس) فى ابراز مهاراتها فى استعمال القوس، ونعرف مع الوقت انها ان نجت فى الالعاب، فسيكون الفضل الاول والاخير لخبرتها فى استعمال القوس.
يبدأ العد التنازلى للألعاب، ونحبس نحن المشاهدين أنفاسنا فى انتظار بداية الألعاب، ومع انطلاق صافرة البداية يبدأ الاقتتال فى سبيل الحصول على المعدات الازمة للألعاب، يحدد (بيتا) وجهته من البداية ويفر نحو الغابة، بينما تنجو (كاتنيس) من القتل مرتين، لتشتبك مع احدي الاعبات بعد الحصول على القوس الذى كانت تهدف الحصول عليه.
تبدأ (كاتنيس) فى التحضر لأول لياليها فى الغابة، تحتفظ ببعض المياة، وتحضر بعض الافخاخ، وتستغل الطبيعة الاستغلال الامثل للحصول على الحماية الملائمة لها، مشاهد تجهيز (كاتنيس) لمعداتها يحبس انفاسنا بمزيج من الاثارة والترقب، ومع بداية عرض اسماء القتلي فى الصراع الاول فى الالعاب، ومع كل ضحية جديدة تسقط ينطلق مدفع بصوت صاخب معلنا عن سقوط اسم جديد.
يبدأ المتسابقين فى تكوين أحلاف ضد بعضهم البعض، وتبدا ادارة الكابيتول فى التدخل لتحويل دفة الصراع، من خلال حرق الغابة واجبار (كاتنيس) على تغيير اتجاهها، تواجه (كاتنيس) الفريق المتحالف من القتلة، وتدور بينهما مطاردة فى الغابة المفتوحة تنتهي بمحاصرتها أعلى شجرة، وحيدة وجريحة.
تحصل (كاتنيس) على هدية من الرعاة .. كريم مضاد للحروق يبقيها على قيد الحياة، ويهرب مطارديها بعد تعرضهم لمهاجمة البعوض المعدل وراثيا والذى تسبب لدغاته الحمي والهلوسة، والتى تسقط (كاتنيس) بين براثنها هي الاخرى كضريبة للنجاة.
تبدأ (كاتنيس) فى الافاقة مجددا لتتعرف على واحدة من أهم شخصيات الجزء الأول، السمراء الصغيرة (رو)، والتى تساعدها على البقاء حية، وتتعلم (كاتنيس) صافرة بسيطة ترددها ورائها الطيور المقلدة، النغمة التي ستتحول لعلامة الثورة، والطائر الذى سيتحول للرمز الاساسى للثورة كما نعلم من الأجزاء التالية.
تسقط (رو) صريعة فى مشهد شهير ومؤثر، تفشل (كاتنيس) فى الدفاع عنها.
“يجب أن تفوزي”
هكذا تهتف (رو) قبل ان تموت، وهكذا تتعلم (كاتنيس) كيف تبقى على قيد الحياة، للانتقام، وللفوز
تبث الشاشات عبر المقاطعات مشاهد (كاتنيس) وهي تدفن (رو)، تتحول نغماتها لشعار الثورة، وتنتشر اشارة بالاصابع كأشارة مباشرة للثورة، وتنتفض المقاطعة التي تأتي منها (رو) ضد (الكابيتول) مجددا، لقد غيرت (كاتنيس) اللعبة وحولتها لنموذج للاصرار والثورة، لا الخضوع والاستسلام
يبدأ (الكابيتول) فى تغيير قواعد اللعبة، وتستطيع (كاتنيس) الوصول لـ(بيتا)، تكاد أن تتعرض للقتل من أحدي المشاركات، لكن أحد المتعاطفين مع (رو) ينقذها من القتل ويمنحها فرصة جديدة للحياة.
تتواصل المطاردات ويُقتل كل المشاركين فى الألعاب حتي يتبقي الثنائى من المقاطعه 12 .. كاتنيس افردين وبيتا ميلارك، يقررا الانتحار تفويتا للفرصة على (الكابيتول) لاجبار احدهما على قتل الأخر، الا ان (الكابيتول) يقرر تغيير القواعد فى الثواني الأخيرة، ويعلن قبوله فوز الثنائى فى هذه الدورة من ألعاب الجوع.
“انهم لا يحبونك .. لانك انتصرت عليهم”
هكذا يهتف بها (هايمتش) قبل أن ترحل عن الكابيوتل .. وهكذا يولد أسم جديد للثورة، عنوانا يتجسد فى أمرأة واحدة استطاعت هزيمة (الكابيتول)، فرضت شروطها على الجميع، وصنعت للثورة رمزا من لحم ودم، واشارة بالايدي ونغمة يمكن ترديدها بسهولة، انه فن صناعة الثورة من ابسط المواقف وأحلكها ظلاما.
ينتهي الجزء الأول من (العاب الجوع) لكن الالعاب لا تتوقف، ومؤامرة (الكابيتول) لم تنتهي.. بل يمكن القول أنها قد بدات للتو!