(أيفرلى)… فلتحيا السينما المجنونة!
بداية وقبل كل شىء، يجب أن نلفت نظركم لعدم جواز مشاهدة هذا الفيلم لمن هم دون الثامنة عشر من العمر، كما أن المشاهدين ذوي الأحساس المرهف قد يجدون فى بعض المشاهد ألماً نفسيا حاداً .. لذا وجب التنويه.
فيلم (ايفرلى) Everly ينتمي لنوعية خاصة من الأفلام، هذه التى تُدخلك مباشرة لقلب الحدث من المنتصف، تلقيك غريقاً فى بحر الحدث بلا قارب نجاة، فلا يسعك سوي المتابعة أملاً فى الوصول لبر نجاة فى وسط أحداث لا تعرف الرحمة..
لهذه الافلام نقاط قوة وضعف، فهى عادة لا تحظي بأعجاب النقاد، أيضاً لا تلقي اعجاب السواد الأعظم من الجمهور، لكن محبى الجنون السينمائى سيعرفون طريق الفيلم جيدا، وسحتفظون بصورة جديدة ومختلفة للجميلة (سلمي حايك) Salma Hayek التى استطاعت أداء مشاهد الحركة على الرغم من اقترابها من سن الخمسين عاماً.
يبدأ الفيلم بمشاهد صادمة لـ(ايفرلى) فى حمام أحد المنازل.. لا نعرف شيئاً عنها سوي تعرضها لتعذيب شديد، واقترابها بشدة من الموت مع جرح غائر ومجموعة من القتلة عديمي الرحمة ينتظرونها بالخارج. موقف لا تحسد عليه، وتنخفض فرص نجاتها من هذا الموقف لما يقترب من الصفر، لكن مشهداً اخر لتبادل اطلاق نار عنيف فى الشقة المنكوبة بسلاح حصلت عليه (ايفرلى) يبدأ فى أعطائها فرصة جديدة للبقاء. وفرصة جديدة لنا للفهم.
نبدأ فى فهم محيط الأحداث الخاصة بـ(ايفرلى).. هناك طفلة صغيرة تدعي (مايسي)، وهى ابنة (ايفرلى)، وهى قادمة مع جدتها للمبني الذى حوصرت فيه (ايفرلى) منذ قليل، هنا نبدأ فى (التورط) حرفيا فى المأساة التى ستخسر أمها وأبنتها –وحياتها بالتأكيد- مع سعي مجموعة من القتلة المحترفين للنيل منها لخدمة زعيم مافيا يابانية مجهول يدعي (تايكو).
ورطة غريبة هى تلك التى يسحبنا لها المخرج (جوي لينش) Joe Lynch مع تمسكه بتصوير الفيلم فى مكان واحد هو شقة (ايفرلى) الواقعة فى مبني سىء السمعة مُوزع به مجموعة من كاميرات المراقبة، مع قوات شرطة متواطئة مع زعيم المافيا، وبيئة عدائية للحد الأقصى.
يعتبر الفيلم الأفضل والأقوي فى مسيرة المخرج (لينش)، والذى لا تبشر باقى اعماله كمخرج بالكثير، لكنه متخصص فى كتم أنفاس المشاهدين من خلال مشاهد الحركة المليئة بالدماء والأطراف المبتورة، ويمكن اعتباره تلميذاً نجيباً لعبقري السينما الدموية (كوانتن ترانتينو) المتخصص هو الأخر فى أفلام الخيال الشعبي التى لا تحظي باهتمام النقاد وان كانت تترك علامة مؤثرة فى أذهان مشاهديها.
يُحسب أيضاً للمخرج قدرته على توظيف رغبته فى صناعة فيلم منخفض الميزانية Low Budget Movie من خلال تصوير الفيلم بالكامل تقريبا فى ديكور الشقة التى تُسجن فيها (أيفرلى)، مع قدرته على جذب انتباه المشاهد من المشهد الأول للنهاية على الرغم من ذلك، وهى حيلة انتاجية اخراجية لا يقدر عليها سوي مخرج متمكن من أدواته، وشاهدنا العديد من الأفلام التى تم تصويرها –تقريبا- فى ديكور واحد مثل فيلم Buried (2010) أو Open Water (2003) .
تبدأ موجات من الأعداء بمهاجمة (أيفرلى) لمحاولة النيل منها، فرادي وجماعات، بداية من فتيات الليل الساعيات للمال بأى شكل، وانتهاء بسفاح مازوخي يستمتع بتعذيب ضحاياه بالحمض الحارق، مرورا بمجموعات من مقاتلى النينجا المتأنقين فى الأزياء الرسمية، وباقى الخلطة السينمائية المجنونة التى يعشقها محبيها وينتظرون انتاجاتها أولاً بأول. لكن (ايفرلى) تستطيع النجاة من مهاجميها بأساليب يخدمها القدر فى معظمها، لكن الأحداث تتعقد بعد ذلك بتتابع لا نريد حرق أحداثه على المشاهد.
ولأننا نتحدث عن أحد أفلام (جوي لينش)، فلابد من وجود مخلوقات (الزومبى) فى أحد أركان الأحداث، حيث قادنا بحثا قصيرا على موقع (يوتيوب) لملفات الفيديو لفيلم قصير بعنوان (العطش) اخرجه (لينش) يحكي عن رجل يتعرض للعديد من المواقف الدموية على الطريق السريع، عندما يرتكب خطيئة –من وجهه نظر لينش- وهى البحث عن مشروب مرطب فى ظل حر الصيف!
ونجد فى الأهتمام بأفلام الزومبى لمحة اخرى من التشابه بين (لينش) و (كوانتن ترانتينو) حيث قدم الأخير العديد من المعالجات لافلامه –التى يحرص على تأليفها وكتابة السيناريو الخاص بها أيضا- التى كانت تحتوي على مخلوقات الزومبى المرعبة مثل فيلم Grindhouse الذى قسمه ترانتينو لفيلمين قصيرين، تناول أحدهما قصة هجوم مجموعة من الزومبى على بعض الأمنين.
نعود لـ Everly يُحسب لسلمي حايك رغبتها فى تقديم نوعيات جديدة من الأعمال السينمائية، وعدم حصر نفسها فى أدوار الأغراء التى تهبط بأبطالها للحضيض وأن جلبت عليهم الشهرة والمال بشكل مؤقت وسريع. يُحسب لها أيضاً قدرتها على تجسيد مشاهد الحركة وأطلاق النار، وقدرتها على تجسيد التحول الدرامي فى الشخصية من سيده تسعي للنجاة بأى ثمن لأمرأة راغبة فى الأنتقام وقادرة على رد الصاع صاعين.
يتشابه دورها ها هنا مع فيلم أخر تذكرناه للتو مع نهاية أحداث الفيلم، وهو فيلم Desperado الذى شاركها بطولته الوسيم (انطونيو بانديراس) Antonio Banderas والذى ينتمي هو الأخر لنفس النوعية من الأفلام الدموية المجنونة منخفضة الميزانية، مع ظهور نادر ومتألق للمخرج (كوانتن ترانتينو) فى دور رجل الحانة المجنون الذى يتلقى رصاصة فى الرأس مع بداية الأحداث.
تميز الممثل الياباني الاصل (اكي كوتابى) بدور متميز من خلال رجل مشرف على الموت يحاول مساعده (ايفرلى) ببعض النصائح الأخيرة، وعلى الرغم من أداؤه لمعظم دوره مستلقيا على أريكة مشرفا على الموت، الا ان دوره كان مهما وحاسما، وقدم العديد من الحلول الذكيه للسيناريو الذى يحاول ان يبعد الملل عن المشاهد بأى طريقة.
تميزت الديكورات الخاصة بالفيلم بالبساطه، وقدرتها على نقل الجو العام الخانق للاحداث، وعلى الرغم من الأحداث التى تمر فى مكان واحد، الا ان التنويع فى ترتيب قطع الأثاث، واستغلال بعض الحيل فى السيناريو لاعادة تجديد المكان (مثل قيام ايفرلي بالتنظيف واخفاء الجثث)، اعطي للمخرج القدرة على اعادة استغلال قطع الديكور من جديد، مع اهتمام شديد بتتابع الاحداث بشكل لا يخل بالتحديثات التى تفرضها الاحداث على السيناريو.
على العكس من الديكورات تأتي الموسيقي التصويرية بتوظيف اقل قوة من الديكور، وان كان متميزا فيما يتعلق بهذه النوعية من الافلام، وشاهدنا بعض المشاهد التى لعبت فيها المؤثرات الصوتية والخدع دورا كبيرا، مثل مشهد اطلاق النار فى المصعد أو مشهد التخلص من الكلب الشرس من خلال قنبلة يدوية. مع افراط فى استخدام جالونات الدماء كسمة اساسية فى هذه النوعية من الأفلام.