مقالات كايرو 360

رصاصة في الرأس: إبراهيم عيسى بيضرب في المليان

قراءة سهلة

أصدر الكاتب والإعلامي إبراهيم عيسى مؤخراً أحدث رواياته (رصاصة في الرأس)، واللي قدمتها دار الشروق لقرائها. من الوهلة الأولى تبدو الرواية مجرد عمل جديد تضيفه لرفوف مكتبتك، وتقراه في وقت الملل. لكن في الحقيقة إحنا وجدنا نفسنا قدام وثيقة تاريخية بتحاكم فترة زمنية صعبة في تاريخ مصر الحديث. بكل أحداثها الاجتماعية والثقافية والفنية والأمنية. وده اللي تعودنا عليه من إبراهيم عيسى. الكتابة المثيرة للجدل. سواء صحفياً أو روائياً.

بتدور أحداث الرواية في مصر في منتصف السبعينات، وتحديدا سنة ١٩٧٦. وبنبدأ نشوف مصر اللي لسه خارجه من انتصار أكتوبر ١٩٧٣. وإحساس رئيسها السادات بالزهو، وترقبه لخطوة جديدة محورية في البلد وهي زيارة إسرائيل وتوقيع معاهدة السلام.

في محاولة منه لاحتواء الجبهة الداخلية، بيطلق السادات يد جماعات الإسلام السياسي، لمواجهة الشيوعيين المتأثرين بفترة حكم جمال عبد الناصر الرئيس السابق. لكن الجماعات دي بتبدأ تتوغل في كل جوانب المجتمع وتقدم نظرتها المتطرفة عن الدين، مش بس نظرياً من خلال خطب المساجد وبرامج التليفزيون، لكن عملياً من خلال منع الاختلاط في الجامعات ومهاجمة فرق النشاط الفني اللي بتعرض مسرحياتها على المسرح الجامعي، وسط تهاون شديد من الأمن.

ذروة المواجهة بين جماعات الإرهاب وبين الدولة بتتمثل في خطف جماعة التكفير والهجرة بقيادة زعيمها شكري مصطفى، لوزير الأوقاف السابق الشيخ محمد حسين الذهبي ومطالبة الدولة بشوية مطالب في مقابل الإفراج عنه.

الكلام اللي فات ده مش كلامنا إحنا. ده وصف دقيق للمجتمع المصري في الفترة دي. بنشوفه من خلال سطور الرواية. ووبحث بسيط على الانترنت ممكن نعرف قصة الشيخ الذهبي من الالف للياء. ازاي قدر إبراهيم عيسى (يجبرنا) على قراءة روايته اللي بتقرب عدد صفحاتها للـ ٥٠٠ صفحة واحنا عارفين الحدوته كلها؟!

هي دي (حرفنة) إبراهيم عيسى.. أسلوبه السردي المثير اللي يجبرك على أكل السطور والصفحات بعينك علشان تتابع أحداث معروفة لك. وهي دي حرفية اختيار لحظة بداية الرواية. اللي بتاخدنا لرحلة هرب مثيرة لواحد من أعضاء تنظيم التكفير والهجرة. ثم بنبدأ نتابع الأحداث من البداية لحتى لحظة خطف الشيخ الذهبي، من منظور الأمن، والصحافة، وحتى منظور الجماعات الإرهابية، اللي عرض (عيسى) رأيهم بحيادية على الرغم من اختلافه معهم.

لكن الحرفية الحقيقية في الكتابة، أن إبراهيم عيسى كأنه بيحط كل من له علاقه بقضية الشيخ الذهبي في قفصه الشخصي للاتهام، وبيعمل لهم بنفسه المحاكمة اللي يستحقوها، بعيدا عن المحاكمة الأصلية اللي بنقرا وقائعها من خلال الرواية، واللي بيقدمها لنا (عيسى) بصدق ومن وقائع التحقيقات والجلسات الرسمية، وكأنه بيقول لنا: شوفوا أنتم واحكموا بنفسكم. إبراهيم عيسى بعد ما وضع الجميع في القفص، ترك اطلاق الحكم للقارئ نفسه. ودي واحدة من أحلى جماليات (رصاصة في الرأس).

الأجمل، أننا بنقرأ في الرواية تصرفات أبطالها وأسمائهم ومناصبهم كاملة. (عيسى) مش بيشير للحروف الأولى لأسماء أبطاله، أو يعطيهم أسماء وهمية مثلا، ده حتى في بداية الرواية بيقول أن الأحداث حقيقية مستقاه من محاضر التحقيقات واللي نشرته الصحافة أيامها. وده يعرفنا جرأة الكاتب في أنه يتطرق لكلام عن وزير الداخلية، رئيس الحكومة، صحفيين ورؤساء تحرير، وحتى رئيس الجمهورية بصفتهم وشخصهم. دون خوف أو مداراة.

(رصاصة في الرأس) هي وثيقة سياسية اجتماعية دينية قانونية إنسانية، متنكرة في صورة رواية مشوقة، تعرفنا السيناريو الكارثي اللي ممكن يحصل لو تهاوننا ولو للحظة مع الإرهاب، وتورينا جزء من تاريخ حديث منسي، يستحق يظهر للنور. خصوصا وقتنا الحالي.

زر الذهاب إلى الأعلى