ساق البامبو : دراما المسكوت عنه فى الخليج

هل يمكن أن تلعب الدراما دوراً أهم من تسليط الضوء على المشكلات المسكوت عنها إجتماعياً وإنسانياً فى المجتمعات التى تتناولها؟ فى رأينا أن الدور الرئيس للدراما هو مناقشة المشكلات المسكوت عنها، ومحاولة الطرق على أبواب لم تطرق من قبل، وإن لعبت السينما دوراً مهما فى هذا الصدد من قبل، فإن دور الدراما لا يقل أهمية عن السينما بل يزيد، فتأثير فيلم لا تتجاوز مدة عرضه الساعتين أقل بكثير من مسلسل درامي تصل حلقاته فى الغالب لثلاثون حلقة، يدخل كل بيت ويفجر قضايا ومناقشات لا تنتهي.

يمكن القول أن مسلسل (ساق البامبو) الذى يعرض فى سباق دراما رمضان 2016 والمأخوذ عن رواية ذائعة الصيت كسب مؤلفها سعود السنعوسي  جائزة البوكر العربية عن الرواية فى 2013، لتتحول الرواية لمسلسل يحمل نفس الإسم فى 2016، إلا أن المسلسل لم يقابل بنفس الحفاوة التى قوبلت بها الرواية، فتم منع عرضه أو تصويره بالكويت، ليجد صناع المسلسل أنفسهم مجبرين على تصوير المسلسل ما بين دبي و الفلبين.

يحكي المسلسل عن قصة أم عنيفة تجاه أبناؤها والخادمين لديها فى المنزل، وقدمت الدور الفنانة القديرة سعاد عبد الله فيما قدم عبد المحسن النمر دور (راشد) الإبن الذى لا يتفق مع والدته فى تصرفاتها العنصرية مع الخادمة الفلبينية (جوزفين)، ثم تتطور الأحداث ليقع (راشد) فى حب الخادمة ويتزوجها سراً بعيداً عن معرفة الأم، ليلاقي إبنه الأمرين بحثاً عن هويته الحقيقية فى دولة تصنفه ضمن أفراد الـ(بدون).

قد يبدو المصطلح غريباً، لكن فى الكويت يتم تسمية أبناء الرجال الكويتيين من أمهات غير كويتيات بـ(البدون)، والتعبير يمتد ليشمل كل من يقيم فى الكويت دون جنسية محددة، ويلاقي (البدون) معاملة صعبة فى الكويت حيث يتم تصنيفهم كفئة هامشية ليس لها نفس حقوق المواطن الكويتي صاحب الجنسية.

يتعرض المسلسل أيضا لقسوة قلب الأم (سعاد عبد الله) ورفضها الإعتراف بحفيدها، بعد أن قامت بطرد والده ووالدته من منزلها بعد زواجهم، ولعب دور الإبن (عيسي) الفنان الأردني صاحب الأصول الكورية (وانهو شونج) والذى استطاع تقديم أداء تمثيلي متميز قادر  على الوصول لقلب المشاهدين من اللحظة الأولي.

وعلى الصعيد الفني استطاع المسلسل توظيف كافة عناصر القوة لدي أبطاله فى أدوارهم التى انطبقت على شخصياتهم التمثيلية كأنما وجدت هذه الأدوار ليمثلها هذا الفريق المتميز من الفنانين الكويتيين والكوريين المتميزين، كما امتاز تتر بداية المسلسل بأغنية حزينة بلحن جرىء يقتحم قلب المشاهد وعقله من اللحظة الأولي، كما استطاع المخرج البحريني محمد القفاص مخرج المسلسل توظيف القضية السياسية التى تناقشها الرواية بشكل متميز فى أحداث المسلسل.

والأسئلة التى يطرحها (ساق البامبو) فى سياقه تفضح تدخل السياسة فى الفن فى المنطقة العربية كلها، فعلي الرغم من منع المسلسل من العرض فى الكويت إلا أن العديد من القنوات الفضائية الخاصة الكويتية والعربية تقوم بإذاعة المسلسل، الأمر الذى يطرح تساؤلاً عن أهمية منع أعمال بعينها من العرض فى زمن اليوتيوب والفضائيات الخاصة، وإلي متي ستظل الحكومات العربية لا تعرف سوي سياسة المنع التى تصب فى النهاية فى مصلحة المنتج الفني الممنوع من التصوير والعرض.

وإن كنا نطرح مثل هذه التساؤلات الهامة فأولي بنا أن نكون أول من يسأل أنفسنا: الى متي نستمر فى سياسة دفن الرؤوس فى الرمال، وعدم تقديم دراما مصرية حقيقية قادرة على مناقشة المسكوت عنه فى قضايانا الإجتماعية والثقافية، وهل ستواجه أعمالنا الدرامية التى قد تناقش نفس القضايا نفس مشكلات المنع من التصوير والعرض؟ لا نتمني هذا المصير للدراما المصرية التى تحاول النهوض من كبوة كبيرة ضربت القطاع الفني المصري بالكامل.

سعود السنعوسي:روائى كويتي من مواليد 1981 من أشهر الروائيين الكويتيين، حصل على العديد من الجوائز الدولية مثل  البوكر العربية في عام 2013 عن رواية ساق البامبو ، و المرتبة الأولى عن مسابقة القصص القصيرة عن قصة البونساي والرجل العجوز ، و جائزة ليلى العثمان لإبداع الشباب عن رواية سجين المرايا.

سعاد عبد الله:من أشهر الممثلات فى الكويت، شاركت فى العديد من المسرحيات مثل (قاضي اشبيلية)، والعديد من الأعمال الدرامية مثل (على الدنيا السلام) و (خالتي قماشة).