فيلم Before I go to Sleep مـــن يقف معك اذا خانتك ذاكرتك
لا نعتبر أن قصة فيلم (قبل أن أذهب للنوم) قصة جديدة، الحبكة السينمائية نفسها تم استخدامها فى العديد من الأعمال الدرامية الأخري، ولعل طرحا كوميديا يناقش نفس القضية قُدم عام 2004 من بطولة (أدم ساندلر) بعنوان 50 first dates .
يبدأ فيلم (قبل أن أذهب الى النوم) بمشاهد افتتاحية للبطلة (كريستين)، والتى قامت بدورها المخضرمة (نيكول كيدمان)، تستيقظ (كريستين) من نومها لتكتشف أنها لا تتذكر أى شىء مما يجري حولها! تنظر بهلع للرجل الراقد بجوارها، تدخل دورة المياة لتكتشف مجموعة من الصور تجمعها لمن سيخبرها بعد قليل انه زوجها (بن) ، والذى قام بدوره (كولين فيرث).
تعلم (كريستين) – ونحن معها – أنها تعاني مرضا معقدا ونادرا، يدعي فقدان الذاكرة السريع، ستنسى كل ما حدث لها بمجرد أن تخلد للنوم، سيكون كل يوم يوما جديدا بالنسبة لها، وستستيقظ يوميا فى العشرينات من عمرها فاقدة حوالى نصف عمرها الفائت!
تتلقى اتصالا هاتفيا من الدكتور (ناش) قام بدوره (مارك سترونج)، يعرفها بنفسه بأنه المتابع لحالتها الصحية، و يخبرها أنه اتفق معها على أن تسجل يوميا مقطع فيديو مصور لمُلخص يومها حتي لا تنسى مجددا، ويخبرها بمكان وجود الكاميرا فى ركن خفى من خزانة ملابسها. تشاهد (كريستين) الفيديو لتتعلم الحقيقة الاولى الصادمة : لا تثقى كثيرا فى زوجك (بن)!
تتجه (كريستين) لمقابلة طبيبها الدكتور (ناش)، يخبرها ببعض المعلومات الاضافية عن مرضها، تعرضت لحادث بشع، عثر على جسدها عاريا بالقرب من موقف سيارات قريب من المطار، ضربها احدهم بضراوة على رأسها ما افقدها الوعي والذاكرة، ولم تذهب تحريات الشرطة فى اى اتجاه نظرا لكونها الوحيدة التي تعلم هوية الجاني!
يأخذنا الفيلم فى رحلة بحث مشوقة، بحث (كريستين) عن حياتها الضائعة، وذاكرتها المُضللة، تلك التي تتلاعب بها فى احد المشاهد وتوهمها ان الطبيب (ناش) هو من اعتدي عليها، الا انه يحقنها بعقار مهديء ويخبرها ان ذاكرتها تحاول استعادة عملها من خلال اسقاط الجريمة على الطبيب، وندرك مع (كريستين) بعد عناء ان الطبيب برىء من تهمة الاعتداء عليها.
مع استمرارها فى تسجيل يوميا منتظمة، من خلال الكاميرا، نعلم بعض المعلومات الجديدة، (كريستين) لديها طفل صغير، مات فى احد الايام نتيجة مرض ما، يخبرها (بن) بهذه الحقيقة فتنهار، تتجه للكاميرا وتسجل الذكري، لكنها تكتشف فى اليوم التالى ان زوجها اخفى حقيقة ابنها ووفاته، تتهمه بالخيانة ويتعجب هو من قدرتها على التذكر، لا تخبره بحقيقة الكاميرا شكا فى امره، ويحاول التنصل من فكرة التلاعب بذاكرتها وتنقيحها لتعرف فقط ما يجب عليها معرفته، لكننا نعلم يقينا انه يخفى شيئا ما.. شيئا خطيرا.
تستمر (كريستين) فى حياتها الجديدة المضطربة، تقابل الدكتور (ناش) يوميا، وتسجل يومياتها عبر الكاميرا الرقمية، وتحاول استكشاف ما يحاول (بن) اخفاؤه عليها، تقابل فى هذه الاثناء صديقتها (كلير)، والتى قامت بدورها (ان ماري دوف)، تخبرها كلير بان (بن) ليس الملاك الذى يضحي بوقته من أجلها، وتبدأ (كريستين) فى اكتشاف جانب اخر لا تعلمه عن زوجها الذى تعيش معه تحت سقف واحد.
تقفز بنا الاحداث قفزا بعد ذلك لنتكتشف الحقيقة التي يدخرها لنا الفيلم حتي اللحظات الاخيرة، ففى واقع الامر (نك) الذى نعرفه نحن ليس هو (نك) الحقيقي زوج (كريستين)، بل فى واقع الامر الزوج الحقيقي والذى لعب دوره (ادم ليفي)، منفصل عن (كريستين) منذ حوالى 4 سنوات! بينما (نك) الذى يعيش مع (كريستين) تحت سقف واحد هو الجاني الحقيقي، وهو الذى يعاني مرضا نفسيا دفعه لاستلامها من المستشفى باوراق هوية مزورة بعد أن تركها كل من حولها، ومن هنا انتحل شخصية زوجها واقام معها سنوات عدة منتحلا شخصية الزوج المحب لزوجته الساهر على راحتها!
لم يتركنا صناع الفيلم اما التساؤل المفتوح حول ما اذا كان (نك) يستحق الشفقه كونه مريضا عقليا يهتم بحبيبته حتي عندما يهجرها الجميع، ام انه مخادع استغل مرض (كريستين) ليوقع بها فى حباله وينقح ذاكرتها على هواه، يقتحم الفيلم عقولنا وينحاز لنظرية (نك) المجرم الذى يستحق العقاب، ويدخر لـ(كريستين) نهاية سعيدة عندما تكتشف ان ابنها حيا يرزق، وتتخلص للابد من سموم (نك) الفكرية التي كان يبثها فى عقلها ليلا ونهارا.
المخرج والمؤلف (روان جوف) صاحب افلام مثل 28 weeks later , the american , brighton rock قدم اخراجا متميزا للفيلم، على الرغم من الملل الذى تسرب لنفوس المشاهدين فى بعض الاحداث وتكرارها على مدار الايام، الا انه استطاع الحفاظ على حبكة الفيلم للنهاية مراوغا الجمهور المتعطش لمعرفة حقيقة الجاني الحقيقي.
نيكول كيدمان استطاعت اداء دور (كريستين) المعقد بسلاسة تحسد عليها، السلاسة التى اكتسبتها من خبرتها الطويلة بنوعية معينة من الادوار المعقدة مثل دورها فى eyes wide shut , moulin rouge , the others وغيرها من الاعمال التى تميزت بادائها، ونستطيع القول انها كانت بطلة العمل الاولى والاخيرة بلا منازع.
يعتبر الفيلم انطلاقة وعودة قوية للفنان (كولين فيرث)، شاهدنا (فيرث) من قبل فى The kng’s speech والذى يعتبر واحدا من افضل اعماله على الاطلاق، وفى راينا ان هذا الفنان الهوليودي لم يأخذ حقه كاملا، فاداؤه التمثيلي لا يتناسب مع الشهرة الباهتة التى حصل عليها فى مشواره الفني، لكننا نعتقد ان الحظ قد يبتسم له فى الاعمال القادمة خاصة بعد مشاركته فى Before I go to sleep
لم تقدم الموسيقي التصويرية جديدا على صعيد الاحداث، على الرغم من التناغم بينها وبين المشاهد المتتابعة للفيلم، الا انها لم تترك داخل المشاهدين انطباعا يذكر، على الرغم من تميز الديكورات واستطاعتها نقلنا كمشاهدين لعمق الاحداث بداية من المشهد الاول، الديكورات التي تميزت بالفخامة وبثها روح الألفة فى بعض المشاهد، والاستعمال الدقيق للالوان على اختلاف الشريط السينمائى المتميز.