كلمة الحق فى وجه النازية فى Valkyrie
فترة الحرب العالمية الثانية (1939-1945) تعتبر من اكثر الفترات السينمائية ثراء، ومن اكثر الحقبات التاريخية التى شهدت العديد من الأحداث المؤسفة فى صراع دولى مدمر بين معظم دول العالم، ما تسبب فى مصرع ما يقارب 3% من سكان العالم فى تلك الفترة.
فيلم Valkyrie يعد من الافلام التى تتناول هذه الحقبة الثرية، من منظور مختلف عن معظم الافلام التى تناولت احداث الحرب، فالفيلم لا يركز على المعارك التى دارت على جبهات القتال –على اتساعها- وانما يركز على حفنة من ظباط النازية، اللذين تأمروا على قلب نظام الحكم النازي، والاطاحة بهتلر عن سدة الحكم، فى سعيهم لانقاذ الدولة الألمانية من الهزيمة المحتومة فى نهاية الحرب.
بدأ الفيلم –المقتبس عن قصة حقيقية- الذى اخرجه Bryan Singer بمشاهد افتتاحية بالحرب الدائرة فى منطقة العلمين الشهيرة الواقعة بين مصر وليبيا، هذه المنطقة التى شهدت صراعاً عسكرياً بين قوات الحلفاء والمحور، للصراع على منطقة النفوذ فى الشرق الاوسط. جميعاً نعلم الهزيمة التى مني بها روميل الملقب بثعلب الصحراء، والذراع اليمني للزعيم النازي ادولف هتلر، وتسبب فى هزيمته الجنرال البريطاني الشهير (مونتجمري).
فى هذه الحرب المستعرة فقد الكولونيل Claus von Stauffenberg ذراعه وعينه.. ونجي باعجوبة من الموت غريباً وحيداً فى الصحراء.
تسبب هذا الحادث فى اعادة تفكير الكولونيل فى سبب هذه الحرب المدمرة، وطرح بينه وبين نفسه التساؤل المثير للجدل –انذاك- هل ادارة هتلر للحرب كقائد لدول المحور سيتسبب فى انتصار المانيا فى النهاية؟! بدأ Tom Cruise فى طرح تساؤلاته على العديد من كبار الظباط وجنرالات المانيا… وكانت هذه بداية التمرد داخل الصفوف الألمانية، وبدأ التفكير فى الحل الوحيد لأقصاء هتلر عن سدة الحكم واعادة توجيه المانيا للمسار السلمي الحقيقي… اغتيال هتلر!
قد تبدو الكلمة بسيطة، لكن لو فكرنا فى الهالة المقدسة التى كانت تحيط بالزعيم النازي هتلر، والحراسة المشددة التى تشرف عليها قوات SS او الصاعقة الألمانية عالية التدريب والتى تدين بالولاء للقائد النازي الاكثر شراسة فى التاريخ الحديث.. كانت المحاولة تقترب من الأنتحار او هى الانتحار بعينه! وكانت الركيزة الاساسية فى خطة الانقلاب هى : ليس المهم كيف او اين نقتل هتلر.. المهم ماذا سنفعل بعد قتل هتلر!
كانت خطة الملازم (فون) محكمة السيطرة وتتسم بالدهاء، وبحكم عمله كان (فون) يعلم بخطة سرية تدعي العملية (فالكيري)، تستهدف مواجهة اى محاولة للانقلاب على سلطة (هتلر) فى حال تعرضه لمحاولة اغتيال او اغتياله بالفعل، وتشمل الخطة اعتقال القيادات التى تسببت بالانقلاب، واعادة السيطرة على مقاليد الدولة ومنعها من التفكك والوقوع فى اشتباكات سياسية قاتلة فى زمن الحرب.
استغل (فون) الخطة (فالكيري) للتلاعب برجالها وايهامهم بأن كبار قادة النازي قد انقلبوا عليه ودبروا لقتله، ومن ثم يأكل النظام نفسه ويقع الصياد فى الفخ الذى ينصبه لفريسته، وهنا برز السؤال الأهم فى هذه المرحلة –او لعلها عدة اسئله- هى : كيف سيتم اغتيال هتلر؟ اين ومتي؟ ومن سيقوم بالأغتيال؟!
اما عن الشجاع الذى سيقوم بالخطوة الأخطر فهو (فون) شخصياً، كونه مخولاً بحضور اجتماعات مع هتلر، اما عن الكيفية، فمن خلال زرع قنبلة موقوتة فى حقيبة توضع بجوار المنضدة التى يستند عليها هتلر اثناء الاجتماع مع كبار قادة الجيش.. يخرج (فون) بعدها مسرعاً ليقطع الاتصالات عن (وكر الذئب)، وهو الاسم الكودي الذى كان يطلق على مكان اقامة هتلر اثناء فترة الحرب، ومن بعدها يتم تنفيذ العملية (فالكيري) والتى ستكون الضربة الأخيرة فى نعش الكيان النازي المشوه.
يأخذنا الفيلم بعد ذلك رحلة مشوبة بالاثارة فى سبيل الوصول للحظة اغتيال هتلر.. يقوم (فون) بجرح نفسه عامداً اثناء حلاقه ذقنة للتعلل بوجود قطرات من الدم على قميصه ليتم السماح له بتغيير ملابسه فى احد غرف (وكر الذئب) ، بعدها يبدأ فى وضع المُفجر فى شحنة المتفجرات، وتنحبس انفاسنا مع محاولته الصعبة لمعاناته بعد قطع يده فى وضع المتفجرات بالشكل السليم، ثم يحضر الأجتماع مع هتلر الذى قام بدوره فى الفيلم David Bamber وينجح فى وضع المتفجرات فى موضعها السليم.
يخرج (فون) من الغرفة مسرعاً، ويدوي الانفجار المريع ويتأكد من مصرع هتلر، فيندفع لتنفيذ الشق الثاني –والأهم- من الخطة، وهو بدء عملية (فالكيري) للقبض على رؤوس النظام النازي فى المانيا… اسماء مثل (جوبلز) وزير الدعاية و غيرها من اهم رجال الدولة الالمانية كان مصيرهم على المحك الأن مع من يفترض بهم حمايتهم فى حالة الانقلاب!
بدأت الخطة (فالكيري) بالفعل وتم القبض على الجميع بلا استثناء، لكن اتصالاً هاتفياً واحداً قلب الموازين كافة.. اتصال من (هتلر) شخصياً بقائد العملية (فالكيري)، يخبره بأنه بخير وانه تعرض لبعض الاصابات الطفيفة، وان محالة للانقلاب تجري عليه من خلال ايهامه –اى القائد- ببدء تنفيذ (فالكيري).
هكذا انقلب السحر على الساحر بمفجاة غير تقليدية واندفعت قوات SS الساحقة لمطاردة من دفعوهم دفعاً للأنقلاب على قادتهم فى خطة محكمة التدبير!
تم القبض على (فون) ورجاله، وكل من له علاقة بالتدبير للانقلاب من بعيد او قريب، وتم اعدام الجميع عسكرياً باطلاق الرصاص عليهم كما يقضى القانون العسكري، بعد محاكمة عسكرية هزلية… لكن هتلر لم يخرج من الحادث كما كان من قبل أبداً.
فمع تضييق الخناق عليه وبداية الهزائم الساحقة للنازية فى اوروبا، وصمود (بريطانيا) المذهل ضد القصف الجوي الالماني، ونهضة المقاومة الشعبية فى فرنسا وباقى الدول الواقعة تحت الاحتلال الالماني، ومع دخول الولايات المتحدة كحليف هائل القوي ضد كتلة المحور، وبدء توجيه الضربات القاتلة فى منطقة شرق اسيا.. اصبحت ايام النظام النازي معدودة… وبالفعل منيت المانيا بهزيمة مُذلة بعد اشهر معدودة من اعدام (فون) ورفاقه… هزيمة تناسب وقعها المدوي مع وقع انتصارات المانيا فى بداية الحرب. وانطوت صفحة سوداء من تاريخ البشرية، فى واحدة اسوأ الحقب التاريخية التى مرت بها.
امتازت الموسيقي التصويرية للفيلم باحترافية متناهية فى تنفيذها، كانت الموسيقي تتناغم مع المشاهد فى حميمية مذهلة، تتعالى فى لحظات الاثارة والحركة، وتكاد تختفى فى لحظات التأمر على الزعيم النازي، لتترك المجال لعقل المشاهد للتعايش مع جو الاحداث العام بالفيلم، ويمكن الاستماع لقائمة الموسيقي التصويرية للفيلم كاملة من هنا
وتم الاهتمام بالتفاصيل التاريخية فى الفيلم الى حد بعيد، بالاضافة للروح التى سيطرت على فريق العمل بالفيلم، ما دفعهم للوقوف دقيقة حداداً فى كل يوم تصوير على روح بطل العملية الاصلي الكولونيل (فون). بالاضافة للاهتمام بادق التفاصيل كنوع وتاريخ صناعة الالات الكاتبة التى تظهر فى العديد من مشاهد الفيلم، حيث تم اقتراض الجزء الاكبر منها من محبى لجمع هذه التحف ومن اماكن اخري، وتم الاستعانة بأجهزة الكمبيوتر والطابعات بشكل لا يظهر فى تصوير الفيلم لاعطاء الايحاء بان هذه الماكينات تعمل بالفعل.
وحصد الفيلم نجاحاً جماهيرياً ونقدياً متميزاً يتناسب مع كل هذه الدقة وكل هذا الأمتاع، ما جعله يحصد حوالى 200 مليون دولار فى افتتاحيته فى الولايات المتحدة، محتلاً المركز الخامس كأكبر فيلم عن الحرب العالمية الثانية يحقق افتتاحية بهذه الضخامة.
يقول توم كروز بطل الفيلم : “كنت كثيراً ما أسأل نفسى، كيف سكت المجتمع الألماني الشعبى والعسكري على حالة الجنون التى وصل اليها هتلر، وعندما عرفت بقصة (فون) عرفت انه كان هناك بعض الشرفاء الذين لم يدخروا جهداً لأيقاف هذا الرجل عند حده. وشعرت بالأفتتنان بالشخصية عندما لاحظت الشبه بيني وبين (فون) الحقيقي.
اعلان الفيلم